التدوير أو إعادة الانتاج ثقافة يمتلكها المواطن وتفتقدها الحكومات

إيمان أحمد ونوس:

في مختلف الكوارث الطبيعية والحروب والأزمات الاقتصادية، تتعرّض الشعوب مثلما تتعرّض الحكومات المعنية لشحّ في العديد من الموارد أو الاحتياجات الأساسية، سواء للمعيشة أو للصناعة والإنتاج بمختلف أشكاله وتنويعاته (الزراعي، الصناعي، السياحي …الخ) وهنا يجد الجميع أنفسهم أمام ضائقات وأزمات مختلفة تتطلّب المعالجة الفورية كي لا تقع البلاد أو الناس في حالة من الفقر والعوز، وبالتالي الجوع الذي يفرض على صاحبه مدّ يد التسوّل لأجل البقاء على قيد الحياة، وهذا ما يمكن أن ينطبق أيضاً على الحكومات. إن هذا الواقع بالتأكيد يتطلّب امتلاك ثقافة مواجهته بما هو مُتاح من الإمكانات المادية والمعنوية في ظلّ الظروف الطارئة والمفروضة، وهذا ما يمكن أن نُسميه ثقافة إعادة إنتاج وتدوير ما هو موجود تلبية لاحتياجات أخرى لا تتوافر لها الإمكانات المطلوبة، بسبب الندرة أو الغلاء أو ما شابه، كالعقوبات الاقتصادية والسياسية التي تفرضها القوى الكبرى على الدول والشعوب الضعيفة.

هنا، تُمثّل الحرب السورية أنموذجاً حيّاً على كل ما ذُكِرَ أعلاه، فهذه الحرب الممتدة على مدار أكثر من عشر سنوات، والتي ما زالت نيرانها مشتعلة في مناطق أخرى، أدت إلى الكثير من الدمار الذي طال البُنى التحتية للدولة والمواطن معاً، من بيوت ومصانع ومدارس ومستشفيات… الخ، ما خلق أزمة حقيقية وندرة في العديد من الخدمات والاحتياجات البسيطة للناس والدولة معاً، وبالتالي بات الجميع في مواجهة واقع مرير طال حتى لقمة الخبز والدواء وغيرهما الكثير الكثير. هذا كله في الحقيقة دفع غالبية الناس وخاصةً الفقراء منهم ومحدودي الدخل إلى إيجاد بدائل تساعدهم على الاستمرار في العيش تحدّياً له ولمن أشعل نيران حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، فلقد نشطت العديد من الصناعات التقليدية التي كانت قد شارفت على الاندثار قبل الحرب، مثلما نشطت العديد من النساء السوريات بمختلف شرائحهن وانتماءاتهن وثقافتهن في صناعة الأغذية ممّا هو متاح حولهن من خضار وفواكه وغيرها، وكذلك الحال في صناعة الألبسة من أقمشة وألبسة مستعمله وإعادة تصميمها بشكل عصري وبأقلّ كلفة سواء على المستوى الأسري وما تقوم به الأم لأجل كسوة أبنائها صيفاً وشتاء، أو خلال المناسبات وموسم افتتاح المدارس، أو على المستوى العام، وقد عملت العديد من السوريات في مجال إعادة تدوير مختلف أنواع الأقمشة للاستعمال كالثياب والشراشف والمناشف والستائر …الخ، وليست نساء المخيمات في الخارج ببعيدات عن هذا الوضع، فقد استفدن ممّا قُدِم إليهن من مساعدات ومعونات وقمن بتدوير العديد منها لأجل استخدامات أخرى، وهذا كله كان لأجل تلبية احتياجات الأسرة وبيع الفائض كي يساهمن في مصاريف الأسرة والأبناء. هذا الواقع ينطبق على العديد من الاحتياجات الأخرى التي حاول السوريون التصدي لشُحّها أو انقطاعها وغلاء ثمنها في الأسواق، ما ساهم إلى حدٍّ كبير في صمودهم حتى اللحظة في وجه جشع تجّار الحروب والأزمات من جهة، وإهمال الحكومات المتعاقبة لاحتياجات المواطنين الأساسية وضرورة توفيرها ضمن الحد المقبول في ظروف مأساوية ضاغطة.

ولكن، وإذا ما أردنا الحديث عن تعامل تلك الحكومات مع الواقع المفروض طيلة هذه السنوات، وضرورة أن تكون حقيقة حكومات حرب لمعالجة الأزمات الناتجة عنها، نجد أنها لم تكن جميعها بالمستوى المطلوب منها حتى اللحظة، بل كانت على الدوام حكومات خلق أزمات متلاحقة لا يكاد المواطن يخرج من إحداها حتى يجد نفسه في مواجهة أزمة جديدة، ولم ينقضِ على الأولى يومٌ أو بعض اليوم، في الوقت الذي كان على تلك الحكومات البحث عن مصادر وآليات جديدة تعمل على تغطية النقص الحاصل في مستلزمات الحياة بشكل عام، ولتدارك أو مواجهة العقوبات التي فرضها الغرب كي يحقق مصالحه ومطامعه في خيرات سورية الكثيرة التي لم تحاول حكوماتنا النفاذ إليها أو التفكير في استغلالها لا في السلم ولا في الحرب، كالطاقة الشمسية المُتجدّدة والمتوافرة على مدار أيام السنة وبشكل كبير، ومثلها طاقة الرياح في مختلف المناطق، وكذلك الثلوج ومياه الأمطار الغزيرة بشكل لافت في العديد من المناطق، والتي يمكن استخدامها أيام الحر أو للمناطق الجافة التي تفتقد حتى لمياه الشرب. فلو تمّ التفكير في المصلحة العامة للاستفادة من هذه الإمكانات الطبيعية ذات الكلفة المنخفضة قياساً للإنتاج الصناعي أو حتى الاستيراد للاحتياجات ذاتها، لما كُنّا كسوريين نعاني اليوم من أزمات كهرباء وماء ومحروقات وغذاء …إلخ.

لفت انتباهي في هذا المجال خبر أوردته صحيفة (الاقتصاد اليوم) مفاده تصريح المدير التنفيذي لشركة (ودرفم) للعنفات الريحية في حمص لتلفزيون الخبر قال فيه: إن فتحة حمص تستطيع إنارة كامل شرق المتوسط مجاناً حتى 25 عاماً، لافتاً إلى أن سورية تخسر تريليونات الدولارات سنوياً من عدم استثمار الطاقة الريحية. وأضاف: إذا تمّ تركيب عنفات ريحية من قبل الدولة واستثمارها، فسوف ينخفض سعر الكيلوواط إلى 10-30 ليرة ككلفة إنتاج للكيلو الواحد، علماً أن الكلفة الحالية تتراوح بين 200-300 ليرة سورية من دون احتساب تكاليف الصيانة وقطع التبديل ومصاريف القطع الأجنبي.

إن هذا التصريح وحده يعكس مدى إهمال الحكومات المتعاقبة لما نمتلكه من موارد طبيعية تؤهّلنا للريادة على مستوى العالم لو تمّ العمل على الاستفادة منها لخير البلاد والعباد، وبعيداً عن الفساد وإيثار المصلحة الشخصية على المصلحة العامة.

العدد 1104 - 24/4/2024