ما العمل؟
تحت هذا العنوان نظم مكتب الإعداد والثقافة والإعلام المركزي لحزب البعث العربي الاشتراكي ملتقى حوارياً في عدد من المحافظات، فبعد حماة ودرعا ودير الزور وحمص واللاذقية وطرطوس كانت حلب في الأسبوع الفائت مكان انعقاد ها الملتقى، بحضور الرفيق مهدي دخل الله (عضو القيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي)، ومشاركة الرفيق حسيب شماس (عضو اللجنة المركزية لحزبنا الشيوعي السوري الموحد).
بدأ الدكتور دخل الله بمقدمة أسست للأفكار والاستنتاجات التي راكمها خلال مداخلته، فرأى أن: (تكوين الاقتصاد لم يعد يعتمد على الحكومات والإدارات، بل أصبح معتمداً على الفعاليات الاجتماعية المختلفة.. فماذا على المجتمع السوري أن يفعل؟ الدولة تعرف ماذا عليها أن تعمل.. ولا نريد خطاب شعارات، بل خطاب وقائع.. الخيارات المتاحة كلها سيئة، والقائد الجيد يختار الأقل سوءاً)
وأضاف: (في خطاب القسم للسيد رئيس الجمهورية قاعدة معيارية: هذا لا يعني أن الأمور بخير، نحن تعودنا أن نفكر بالمطلق، فإما خير مئة بالمئة أو سيئة بالمطلق.. والحلول بيدنا ولا مستحيل) شارحاً أن (الحلول بيدنا، أي نحن المجتمع والمواطنون).
وبعد استعراض للتوازن الحالي بعد عشر سنوات من الحرب، دخل الدكتور مهدي في الإجابة على سؤال الملتقى: ما العمل؟
فشرح مفهوم العمل والجهد والعلاقة بين المنفعة الشخصية والمنفعة العامة، وعرّج على التجربة التاريخية للشعوب الأوربية بعد الحربين العالميتين، وكيف تعززت المصلحة العامة (الخير العام) بعد المعاناة من الفقر والجوع والدمار الذي عانت منه تلك الشعوب، متوصلاً إلى استنتاج أن المعاناة من (الشر العام) وحدت المصير المشترك للشعوب الأوربية. ومستنتجاً أن ذلك ما يجعلهم ملتزمين بمصلحة بلدانهم (عدم رمي الأوساخ في الشارع والأماكن العامة)، أي معتبراً ذلك زيادة في مؤشر المسؤولية الفردية والجماعية تجاه الدولة والمجتمع. وبذلك يحمّل الدكتور دخل الله الفرد والمجتمع الدور الرئيسي في تعميم (الخير)، محيّداً دور الدولة ومؤسساتها، شارحاً أقسام المجتمع: المدني، الأهلي، الديني؛ وكيف يساهم كل قسم من هذه الأقسام بفئاته المكونة له بتعميم (الخير) من خلال مبادراتها وزيادة شعورها بالمسؤولية تجاه حياتها والبلاد.
شارك في الملتقى الرفيق حسيب شماس شارحاً موقف الحزب من تحليل جوهر الأزمة السورية، وأكد ترابط السياسي بالاقتصادي الاجتماعي والديمقراطي، وقال: (الحرب على سورية لم تنتهِ بعد، وما زالت مناطق سورية محتلة من قبل الأمريكي والتركي وقوى مسلحة حليفة لها).
وتابع الرفيق حسيب: (محاربة الإرهاب ليست فقط بمواجهة الوجود العسكري للإرهاب، بل ضرورة محاربة المنابع الفكرية للإرهاب) مؤكداً ضرورة تحسين أوضاع الفقراء اقتصادياً ومعيشياً، وضرورة دعم القوى التقدمية العلمانية كوسيلة أساسية للقضاء على الفكر الإرهابي.
كما تحدث عن تغير التركيب الطبقي في سورية خلال سنوات الحرب العشر، فقد زادت مستويات الفقر والبطالة، وانتقل الكثير من فئات الطبقة الوسطى إلى مستوى الفقر والحرمان والعوز بسبب الحرب وتدمير المنشآت والتهجير ونهب الممتلكات.. مؤكداً ضرورة تحسين الوضع المعيشي لأغلبية الشعب السوري، وهذا سيؤدي إلى تقوية صموده وسينعكس إيجاباً على قوة موقف الدولة السورية، معدّداً أهم المهام الواجب تنفيذها للوصول إلى هذه الأهداف.
نظم الملتقى فرعا حلب وجامعة حلب لحزب البعث، وحضره حشد من الرفاق البعثيين من كوادر الشعب والفرق الحزبية، وحضره وفد من رفاقنا من اللجنة المنطقية والفرعيات. وقد قدم رفاقنا ثلاث مداخلات، ركزت الأولى منها على أهمية المشاركة المجتمعية في ابتكار مبادرات والتوصل إلى حلول لأزماتنا المعيشية والخدمية والاقتصادية، وذلك عن طريق الدعوة لمؤتمرات حوار اقتصادي وسياسي، لإشراك أكبر قدر من الجهود الوطنية من كل الفعاليات الاقتصادية والفئات الاجتماعية، ولأهمية الجماعية في التوصل إلى اتخاذ قرارات حكومية تنفيذاً لتوصيات مؤتمرات الحوار التي يلزم لعقدها توفر ثقافة الحوار والحاجة لآراء أكبر طيف من المجتمع السوري، للاتفاق على آليات الخروج من الأزمة، دون انتظار لجنيف أو فيينا، بل الدعوة لحوار سوري سوري في دمشق، لكل القوى الوطنية.. حوار أساساته الاستقلالية والوعي والحرية.
أما المداخلة الثانية فتناولت عدة مواضيع هامة: ضرورة معالجة أسباب هجرة الشباب السوري والصناعيين السوريين الذين صمدوا طيلة سنوات الحرب – ضرورة الاهتمام بالجبهة الوطنية التقدمية.
وحاولت المداخلة الثالثة تسليط الضوء على أهمية الزراعة والإنتاج الزراعي في الإجابة على سؤال (ما العمل؟) كمجموعة من الجهود الاجتماعية والفردية من المجتمع الفلاحي، تحتاج إلى تأمين مستلزمات هذا الإنتاج الهام والمصيري بما يخص الأمن الغذائي للسوريين من قبل الحكومة من سماد وبذار وأعلاف ومحروقات.
وقد استمع الحضور، في نهاية الملتقى الحواري، لردود وتوضيحات من الدكتور مهدي دخل الله والرفيق حسيب شماس على المداخلات المتنوعة والهامة التي طرحت.