طبقات.. وطبقات

ريم داود نخلة:

منذ بداية التاريخ والإنسان يخوض صراعات عديدة، منها ما يهدف للبقاء ومنها ما يهدف للتطور والارتقاء، وصولاً إلى صراع لايزال يلازمنا حتى يومنا هذا وهو صراع الطبقات الاجتماعية.

منذ أكثر من عشر سنوات والشعب السوري يصارع ويقاوم ما أفرزته الحرب من فوارق طبقية كانت موجودة في السابق، إلا أن الحرب رسّختها وأعادت صياغتها وطرحها بصورة جديدة.

ومع نشوب النزاع ومنذ أن كشرت الحرب عن أنيابها، ازدادت الفئات الفقيرة فقراً، بعد أن خسرت كثيراً من أبنائها الذين فروا وغادروا فزعاً وخوفاً لاجئين إلى دول عربية وأجنبية قاصدين العمل فيها والاستقرار، فضلاً عن المثقفين من أصحاب الاختصاصات العلمية الذين آثروا الرحيل على البقاء في القاع متجهين نحو بلدان تصقل مهاراتهم وتعنى بإنجازاتهم، مبتعدين عن دفنها وطمرها هنا تحت التراب.

واللافت في الأمر أن الأغنياء في بلادنا يمارسون حياتهم متنعمين متلذذين بالخيرات والنعم، متباهين ببضع كلمات حفظوها عن الوطن والكرامة، ناسين متناسين أن أبناء الطبقة الفقيرة والمتوسطة هم الذين ينتجون وهم الذين دافعوا ويدافعون عن الوطن.

مقومات الحياة الأساسية:

منذ بداية الحرب ونحن نحيا سنوات معلقة بين كوارث عامة وخاصة، لم تخلُ فيها الحياة من بعض المباهج، فهي في النهاية تحمي نفسها وتستمر بالمضي قدماً نحو الأمام، لكنه استمرار نمطي عبثي مبرمج، وكأنما الروح فارقت الجسد ليحيا كل منهما وحده، أما المحزن في الأمر فهو أن الأغنياء، أو من أودت بهم الحرب إلى مصاف الأغنياء، يسعون جاهدين وبكل ما أوتوا من قوة للحفاظ على هذه المكانة الاجتماعية حتى وإن اضطرّهم الأمر لأفعال منافية للصالح العام، في حين يحيا أبناء الطبقة الدنيا أو الفقراء مستغَلّين مستهلَكين مستخدَمين وقوداً لحرب أنهكت كاهلهم وكاهل البلاد.

تصريحات تقشعر لها الأبدان وكأننا نحيا على كوكب اليابان مغالاة ومزاودة في الحديث عن الكرامة والحياة، وانقسام واضح بين عامة الشعب، ونجد الحال منشطراً بين أهل الليل وأهل النهار.

فالفئة الأولى مهمتها السهر والتسلية في المطاعم والحانات والمسابح والشاليهات والملاهي الليلية، مع مشهد رهيب من البذخ والترف لم يسبق له مثيل.

أما الفئة الثانية فمهمتها العمل بشكل متواصل، رابطة ساعات الليل بالنهار وكأنها تجري في ماراتون، لكن السباق هذه المرة مختلف، فهو سباق على لقمة العيش وتأمين الخبز والغاز والمازوت وغير ذلك من مستلزمات العيش.

ما هذه المفارقات التي وصلنا إليها؟ وكيف لحجوزات الشاليهات أن تصل إلى ما بين 3٥٠ ألف و٧٠٠ ألف ليرة في الليلة الواحدة؟ ما هذه المفارقات البشعة بحق من صمدوا وصبروا وأعطوا من حياتهم وأرواحهم وذواتهم؟

كيف لأبناء فئة من الناس أن تحيا وسط جري مستمر وتأهب دائم في سبيل تأمين مستلزمات الحياة، في حين أن أبناء فئة أخرى يسرحون ويمرحون متنعمين بالملاهي والمصايف؟ من أين يأتون بكل هذا في ظل ظروف اقتصادية عنيفة وضائقة مادية لم يشهد الشعب السوري مثيلاً لها؟

أما السؤال الأهم فهو: إلى متى سنستمر على هذا الحال؟ وهل من مراهنات أكثر على صمود وتحمّل وانتظار دام سنوات؟

وإلى متى سيبقى الفقير وقوداً يستهلك لغايات ومتاجرات من صنع بعض الأغنياء؟

العدد 1104 - 24/4/2024