طاقات الشباب المهدورة صاغت القرار الأممي 2250

إيمان أحمد ونوس: 

لأن الشباب في أيّ مجتمع هم الرقم الأهم والأساس في معادلة المواطنة والتنمية والإبداع على مختلف المستويات، بما يملكونه من مرونة الفكر والعقل القابل لتشرّب كل جديد والتفاعل معه بديناميكية مذهلة أحياناً، إضافة إلى المحاولة الدائمة لابتكار أساليب وأنماط جديدة من حيث التعامل مع قضاياهم الخاصة أو قضايا المجتمع العامة. لهذا، نرى ما بين الحين والآخر ضرورة التركيز على قضاياهم ومعالجتها لأجل الاستفادة من طاقاتهم وقدراتهم المختلفة.

فالشباب ثروة وطنية هامة هي أثمن من باقي الثروات التي لا يمكن لها أن ترى النور أو ترتقي بالدول بعيداً عن استثمار طاقاتهم، فهم يشكّلون في المجتمعات العربية ما نسبته (60%) من مجموع السكان (ما قبل سنين الحرب)، وهذا ما يمنح تلك المجتمعات إمكانية التجدّد والتطور والوصول إلى مستوى المجتمعات الراقية، لو تمّ تفعيل دور الشباب بشكل جاد وحقيقي، واستغلال قدراتهم المتنوّعة في عملية التنمية المستدامة على مختلف المستويات، وكذلك منحهم الثقة الأكيدة والراسخة بإمكاناتهم وأنفسهم، عبر تأمين احتياجاتهم كافة، وخلق الفضاء الملائم لهم نفسياً ومادياً تمهيداً لإشراكهم في عملية صنع القرار.

وانطلاقاً ممّا ذُكر، ومن إيمان المجتمع الدولي بأهمية الشباب في مختلف عمليات التنمية والتعليم والتطور اللاحق للمجتمعات البشرية، فقد أصدر مجلس الأمن نهاية عام 2015 القرار رقم 2250 إدراكاً منه بضرورة الاستثمار في بناء قدراتهم ومهاراتهم على نحو يستجيب لمتطلبات سوق العمل. ولأن أولئك الشباب أيضاً يشكلون الغالبية المُتضررة في النزاعات والحروب، يعترف القرار المذكور بالدور الهام الذي يمكن لهم أن يضطلعوا به كقدوة مجتمعية في محاربة التطرّف والعنف اللذين يُفضيان إلى عرقلة التنمية بمختلف مستوياتها واتجاهاتها، وذلك عبر مشاركتهم الضرورية في الحياة السياسية والاقتصادية خاصة، وصولاً إلى إسهامهم في بناء السلام خلال الحروب وبعدها من خلال نزع السلاح والتسريح وإعادة إدماجهم في المجتمع مع مراعاة احتياجاتهم الخاصة بعد الحرب.

غير أن الواقع لدينا يشي بالعكس، فقد اتسمت علاقة الحكومة بالشباب بالإهمال واللامبالاة، (رغم أن الحكّام غالباً ما يأتون للحكم في سنّ الشباب.) والسبب يكمن ربما في التجاذبات والإشكاليات التي تكتنف تلك العلاقة، فتسودها التبادلية ما بين النظم والحكومات التي ورغم كل ما يعتريها من إشكاليات وعرقلة فرضتها الحرب وتبعاتها، لا ترغب بإشراك الشباب فعلياً في الحكم لأنها تخاف التجديد. ومع مرور الزمن، واستحداث أساليب حكومية لتقييد حركة وحيوية الشباب انقلبت المعادلة، وصار الشباب هم الذين يخافون حكوماتهم أكثر، إضافة إلى إحساسهم المتعاظم بعدم الثقة والعبثية وإقصائهم حتى عن الخطط والبرامج التنموية الخاصة بهم، وما اليأس واللاّمبالاة التي تلفُّ شبابنا وتجرفهم باتجاهات سلبية، إلاَ بفعل تهميش دورهم في المجتمع، وعدم الالتفات إلى همومهم وطموحاتهم واحتياجاتهم، وعدم ثقتهم بأنفسهم وشعورهم بالفشل والخيبة، وبعضهم يرفض أن يعترف بإمكانياته وقدراته، فيتنحى ويستقيل من مسؤولياته بإرادته، لأنه مغيّب قسراً لا بسبب من طبيعته وتكوينه، بل لأنه ضمن مجتمع لا هوية له أصلاً لاسيما في ظلّ حروب تجتاح معظم البلدان النامية التي تتصف بارتفاع نسب أعمار الشباب فيها قياساً لعدد السكان.

إن هذا الواقع يتطلب من الحكومات تغيير النهج المعتاد والمُتّبع حيال الشباب، وذلك من خلال دعم المنظمات ذات القيادات الشبابية، وتلك المعنية ببناء السلام باعتبارها شريكة في برامج تنظيم المشاريع الشبابية الحرة. وكذلك وضع سياسات خاصة بالشباب كتمثيلهم في مواقع صنع القرار على جميع المستويات في المؤسسات والآليات المحلية والوطنية والإقليمية. مثلما يقتضي ضمان حقوقهم كافة وتوفير الحماية لهم من مختلف أشكال العنف والإقصاء. وكذلك ضرورة تهيئة بيئة تمكينية لتنفيذ أنشطة تناسب اهتماماتهم وميولهم وتُعزز جهودهم في المشاركة البنّاءة في تعزيز ثقافة السلام والتسامح والحوار بين الثقافات والأديان، وإلاّ فإن فالشباب الذين أهملتهم بلدانهم، وفقدوا الرغبة والقدرة على الانتماء لا يرون طريقاً آخر غير العبث والاستهتار.. فتاهوا في مجاهل الحياة، وفقدوا الرغبة والقدرة على الانتماء حتى لم يبقَ أمامهم طريق آخر غير هجر أوطان ضيّعت أبناءها فضاع وجودها بين الأمم!

لذا، لم يعد أمام تلك الحكومات إلاّ الاهتمام بأولئك الشباب وتلبية احتياجاتهم كافة لأنَّهم الأساس في إعادة البناء والإعمار لاسيما بناء الإنسان.

العدد 1102 - 03/4/2024