كأنه العيد!

محمود هلال:

حلّ علينا عيد الأضحى المبارك في العشرين من الشهر الجاري وكلنا أمل أن يحمل هذا العيد الخير والسعادة والسرور لكل السوريين والسوريات ولأبنائهم. ولكن بأيّ حالٍ حل هذا العيد هذا العام، في ظل انتشار الغلاء والارتفاع الجنوني للأسعار وتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للناس؟!

العيد هو دون شك مناسبة فرح تحمل السرور والبهجة، خاصة للأطفال الذين يترقبونها لتحقيق آمالهم المؤجلة والوعود التي يتلقونها من أهاليهم على مدار العام، والتي هي في معظمها وعود خلّبية تخديرية عند البعض لتمرير الوقت، مختصرة بالجملة المألوفة: (عَ العيد)!

هناك قول لعلي بن أبي طالب (يأتي زمان تصبح فيه أعيادكم مثل أيامكم). نعم، يبدو أننا وصلنا إلى هذا الزمان، لقد أصبح العيد عند كثيرين من الأهالي مناسبة ثقيلة تذكّرهم ببؤسهم وشقائهم، وتؤكد لهم عجزهم عن الوفاء بوعودهم والتزاماتهم، وذلك في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة، التي تزداد بؤساً من عام إلى آخر، وقد ازدادت أعداد الفقراء والمهجرين كثيراً خاصة خلال السنوات العجاف الأخيرة، في ظل الحرب والحصار الاقتصادي على سورية، فأصبح العيد لا طعم ولا لون ولا رائحة له، وكأنه مناسبة عادية، يوم مثل باقي أيام السنة لا يحمل أيّ تغيير!

وفي ظل الارتفاع الجنوني للأسعار وفلتان الأسواق وتدني الدخول وتآكل القوة الشرائية، بقيت الغالبية العظمى من الناس على هامش العيد، وهناك الكثير من الأسر لم تستطع أن تشتري لأبنائها الثياب الجديدة، ولا حلوى العيد التي أصبحت أسعارها فلكية وباتت حلماً للكثيرين، وكذلك ما تحتاجه من طعام وشراب، وبغياب مظاهر العيد والفرح غابت الضحكة على شفاه الأطفال أيضاً.

وما شاهدناه خلال الأيام التي سبقت العيد من حركة الناس والأسواق والبيع والشراء كان الغالبية العظمى من الناس يقفون أمام واجهات المحلات ينظرون إلى الأسعار ويمضون إلى سبيلهم! ويعودون بخفي حنين (أي تيتي تيتي مثل ما رحتي مثل ما جيتي). إذا أخذنا موضوع اللباس على سبيل المثال، فإن كسوة بسيطة لأسرة مؤلفة من 5 أشخاص، من سوق شعبي دون ماركات، قد تحتاج إلى 500 ألف ليرة سورية كحدٍّ أدنى.

لقد أصبح العيد لقلة قليلة من الناس، للأغنياء وأصحاب الرساميل فقط، لأنهم هم القادرون على الشراء والتسوق والذهاب في أيام العيد وغيرها من الأيام إلى أفخم المطاعم وإلى البحر والمسابح في هذا الصيف الحار وإلى أجمل الأماكن، وارتياد أجمل حدائق الألعاب، وبذلك تكون عندهم كل الأيام أعياداً.

أخيراً: لقد مر هذا العيد دون أن يطرق أبواب الكثيرين، وكان بالنسبة لهم كأنه العيد، فلا بدّ من الالتفات إلى هؤلاء المواطنين الفقراء الذين باتوا يشكلون الشريحة الأوسع في المجتمع، وتحسين أوضاعهم المعيشية بزيادة أجورهم، زيادة حقيقية، وإيجاد فرص للعاطلين عن العمل منهم، وتنفيذ كل الوعود والخطط والمشاريع التنموية المؤجلة، لكي يتخطوا فقرهم وعجزهم ويشعروا بالأمان والاستقرار وبالعيد في الأعياد القادمة.

وكل عام وأنتم والوطن بألف خير!

 

العدد 1104 - 24/4/2024