من يعقد الصلح بين الحكومة والشعب؟

معين حمد العماطوري:

تعمل الأعراف الاجتماعية حينما تقع إشكالية اجتماعية من حوادث ونزاعات، فيقوم الوجهاء بعقد صلح بين الأطراف المتخاصمة، ويجري حفل عام أمام كل فئات المجتمع يسمى (عقدة الراية) ولو كان الخلاف جريمة قتل يتم الصلح بين الطرفين المتخاصمين، لإيقاف سفك الدم بينهما، وكان الراحل عبد الله الأطرش (مهندس) عقد الرايات في جبل العرب، وقد عقد مئات الرايات وأجرى آلاف المصالحات الاجتماعية، ولعل السؤال اليوم: إذا كان عبد الله الأطرش وأمثاله قد رحلوا من مجتمعنا، فمن يتوسط بين الشعب والحكومة لعقد صلح ومصالحة بينهما؟!

وقد أصبح ذلك ضرورياً بعد قرارات الحكومة الأخيرة برفع سعر المازوت من 180 ل. س، إلى 500 ل. س، وسعر ربطة الخبز من 100 إلى 200 ل. س، والغاز من 4200 إلى 4500 ليرة، وما سوف يرافق ذلك ويتبعه من رفع في أجور النقل والمواد الغذائية اليومية، وضخامة الأعباء في الحياة المعيشية اليومية، والزيادة في الجوع والقهر والمرض، وتكالب التجار على مختلف شرائحهم لمصّ دم المواطن وإذلاله، وهو الذي صمد وثبت أمام قوى العالم خلال الأزمة التي ألمّت بالبلاد، وقاوم خلال عقد من الزمن، فكان جزاؤه مقارنة بارتفاعات الأسعار هزيلاً جداً، فهذه الزيادة (40 أو 50 %) تكاد لا تسد ثمن الخبز، وهكذا يبدو أن الحكومة كأنما (تنتقم) من مواطنيها بموجب خطة مبيّتة، بعد أن أنهكهم الجوع والفقر والإذلال والحاجة، والحكومة تعيش بحالة بتر، والفاسدون والمفسدون زادوا، وبدأت تتنامى ظواهر السلب والسرقة والقتل وتفرض نفسها واقعياً أمام أعين كل الجهات المعنية التي تكاد تصمت صمتاً مطبقاً، وكأن المؤامرة التي كانت خارجية باتت اليوم داخلية وواضحة المعالم والخطوط.

في حوار بسيط نجد أن الحكومة تعمل ليس لصالح الشعب، بل لمصلحة حيتان الاقتصاد السوري، والدليل أنها إذا كانت قبل أشهر قد رفعت سعر المازوت الصناعي إلى 650 ل. س، والتجار والصناعيون ما زالوا يعملون على رفع أسعارهم وفق ذلك، واليوم وحدت الحكومة سعر المازوت فصار اللتر بـ 500 ل. س، أي أنهم خفضوا على الصناعيين 150 ل. س! أليس بالمقابل على التجار والصناعيين أن يخفضوا أسعارهم بنسبة 25 % من تكاليف الإنتاج التي يضعونها بتقديرات وهمية كاذبة لإرضاء حيتانهم؟

من جهة ثانية فازوا حينما أطبقوا الخناق على المواطن بهذه الزيادة التي تآكل مضمونها بالكامل قبل صدورها، لأن قراراتهم تنفذ في اليوم التالي لصدورها، بينما الزيادة لنهاية الشهر أي هناك شهر يتداول الناس براتب يكاد أصلاً لا يكفي ليومين، في ظل أسعار السوق النارية.

لقد أثبتت الحكومة بقراراتها الجائرة أنها حاقدة على الناس وكأنها تريد تهجيرهم من أراضيهم، ووضعتهم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الموت البطيء عن طريق الجوع ونشر الأمراض التي تنتج عنه، وإما الهجرة القسرية، كي تعيش فئة واحدة هي فئة الطبقات الرأسمالية ولا ضير لديها في ذلك.

ولهذا لابد من وضع خطة شعبية استراتيجية لعقد صلح بين الشعب والحكومة، وميثاق شرف بينهما، على الرغم أن الشعب لديه من الشرف ما يغني الحكومة، وإذا لم ترغب الحكومة بذلك فليس لدى الفقراء والمحتاجين إلا مناجاة طارق بن زياد وإحياء مقولته الشهيرة: الموت من أمامكم والبحر من ورائكم.. وصار ينطبق هنا القول المأثور: عجبت لمن ينام جائعاً ولا يخرج على الناس شاهراً سيفه! وقد حذّر الشعب مراراً وتكراراً وتعالت أصوات العديد من الفئات والطبقات المجتمعية: احذروا ثورة الجياع، فلم تستجب هذه الحكومة، ولهذا لابد من وضع أسس منهجية للنهوض بالاقتصاد والقضاء على الفساد والمفسدين والظواهر السلبية من قتل وسرقة وخطف ونهب وتهريب وتجارات ممنوعة أمام أعين الجهات المعنية.. وإعادة هيبة الدولة وتنفيذ القوانين التي من شأنها ضمان الأمن والأمان للمواطن، فليس مقبولاً أن تؤخذ الحقوق بالرشا، ويجب الاعتماد على أنظمة المؤسسات القانونية وليس على المرجعيات الاجتماعية والدينية التي تاريخها يشهد أنها لم تقف يوماً إلى جانب المواطن.. وإلا فسوف يزيد الحقد والاحتقان والبركان بات على وشك الانفجار.

العدد 1104 - 24/4/2024