الطفل السوري بين واقع الحرب والحقوق
يارا بالي:
تبقى الطفولة روح الحياة، وأساسها المتين، فمنها تنطلق الطاقات، وعليها تبنى الحضارات والأمم، فهي الوعاء الحاوي لإبداع الإنسان، ومواهبه، فإن أحسنت الأسرة التنشئة كسبت الرهان، وإن أساءت إليها خسرت حاضر الطفل وتالياً مستقبله، فما براعم اليوم إلاّ زهور الغد.
من هنا، ومن أهمية المراحل الأولى في حياة الإنسان، جاءت أهمية رياض الأطفال، والنوادي الصيفية الترفيهية، ومعاهد تنمية المهارات والمواهب، إضافة إلى اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة، وما نصّت عليه من أسس وحقوق ألزمت بها الدول الموقعة عليها، لرعاية الطفل وحمايته من أي خطر يحيط به، ولاسيما في ظلّ الأوضاع الاقتصادية، والسياسية، التي يعيشها العالم في الوقت الراهن. ومن أهم الحقوق التي ضمنتها هذه الاتفاقية حق الطفل في التعلم، والأمان، والغذاء، والسلامة، كما نصّت الاتفاقية على حق الطفل في الحياة والبقاء والنمو، فلكل طفل الحق في الحياة، وعلى الحكومات أن تتأكّد من بقاء الطفل على قيدها، كي يكبر بأفضل طريقة ممكنة.. فحقوق الطفل مقدّسة، وصونها مسؤولية المجتمعات، والحكومات على حدٍّ سواء، مهما كانت الظروف الضاغطة.
واليوم، ومع تعاظم الأزمات وامتداد الحرب إلى ما يزيد عن عشر سنوات، أصبح السؤال عن واقع الطفل السوري يُطرح بإلحاح، فحالياً، مع واقع الفقر والغلاء والتهجير وآثاره المدمّرة، تضاعفت المعاناة ولاسيما للفئة الأضعف في المجتمع (الأطفال)، وغدا الطفل محاصراً بواقع خطير يصعب العيش فيه، فقد تضاءلت فرص اللعب والترفيه، وقضاء الوقت بما هو مفيد، وضاقت الخيارات أمام الأطفال، نظراً للغلاء الفاحش لأي طريقة آمنة للتسالي وبناء الشخصية بما هو مفيد، فبدلاً من اللعب والتسالي في النوادي الرياضية أو المعاهد التنموية للمواهب كالرسم، والنحت، والجمباز والموسيقا من عزف أو غناء، أصبح اللهو في الشوارع سيّد الموقف، وسط ندرة الحدائق المؤهّلة للعب الطفل بسلام، فأصبح الأطفال بذلك عرضة لمجموعة مخاطر وعواقب بعيدة المدى على شخصياتهم، لعلّ أفظعها التأثّر بأصحاب السوء، والرفقة الفاسدة أخلاقياً، وتقمّص أفعالهم، كترديد الشتائم والألفاظ النابية، وشرب السجائر و(النرجيلة)، والأخطر من ذلك جعل الطفل عرضة للخطف والاغتصاب، وإدمان المخدرات، فالصاحب ساحب، وترك الطفل في الشوارع بلا رقيب أمرٌ بغاية الخطورة، فضلاً عن المخاطر الصحية الناجمة عن التعرّض لضربات الشمس، إضافة إلى هدر الوقت وضياعه بلا منفعة مرجوة.
بالمقابل نجد أن ترك الطفل في المنزل، بلا أي نشاطات، ولا تسالي، يعرّضه لخطر البدانة الجسدية، والفكرية، وقد يجعل منه مدمناً للأجهزة اللوحية الذكية من (تابات) وحواسب وتلفاز وما إلى ذلك.. فالطفل بحاجة ماسة إلى نشاط فكري أو بدني، إضافة إلى حاجته لتنمية مواهبه، فكل طفل لديه ميزة في شخصيته، وعلى الأهل اكتشافها وتنميتها بكل السبل المتاحة، فأطفالنا أمانة ورعايتهم مسؤولية، وواجب على الحكومات والمجتمعات والأُسر بآنٍ معاً.