حقهم في اللعب بات مأجوراً
وعد حسون نصر:
حال أطفال سورية بعد الحرب والوباء حال يُرثى له، إذ لم تبخل عليهم الحرب بأي نوع من أنواع القهر، فقد فرضت عليهم واقعاً موشّحاً بالسواد، إن لم يكن للجميع إلاّ أنه فُرض على نسبة كبيرة من أطفالنا، مع اشتراكهم جميعاً بتردي الحالة النفسية والسلوكية، بسبب ما فرضته الحرب وبعدها الوباء، لكن تبقى النسب متفاوتة ما بين شريحة وأخرى، وخاصةً من فقد المسكن وأضحى رجلاً بجسد طفل حُرِمَ حقه في اللعب، واتجه إلى سوق العمل معيلاً لأسرته، إلاّ أنه وبغضّ النظر فإن لكل طفل في العالم حقاً مشروعاً ألا وهو حق اللعب والترفيه، وهو أسمى حقوق أطفالنا الأساسية التي نصّت عليها المادة 31 من اتفاقية حقوق الطفل، على أن تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في الراحة ووقت الفراغ، ومزاولة الألعاب وأنشطة الاستجمام المناسبة لسنّه.
والسؤال هنا: أين حق الطفل السوري بعد أن طحنت الحرب كل ألعابه تحت عجلاتها خلال سنواتها التي فاقت العشر، وبعدها الوباء وما نجم عنه من ركود في الاقتصاد وغلاء في الأسعار، والحصار الجائر وما خلفه من فقداننا الكثير من مقومات الحياة الأساسية، حتى أصبح الترفيه خاصاً بأطفال شريحة معينة من المجتمع، نتيجة ارتفاع أسعار المراكز الترفيهية من أنشطة وألعاب وتدريب، وحتى تعويض للفاقد التعليمي وكذلك المواهب. وهنا أصبحت شريحة معينة من أبنائنا تحظى بالتمتّع باللعب، وأخرى لا مكان لها لتفريغ طاقة الطفولة إلاّ الشارع الذي بات بعد شراسة الحرب لناس وناس. ويبقى لنا السؤال: أين الشؤون الاجتماعية وتركيزها على تجهيز أماكن شبه مجانية تستوعب من لا يملكون أجور الرفاهية في المراكز الخاصة، كذلك أين البلديات من تجهيز حدائق عامة في مناطقها تستوعب أطفال هذه المناطق لممارسة حقهم في اللعب والراحة وتنمية مهاراتهم؟ أليس من واجب الدولة أن تحترم وتعزّز حق الطفل في المشاركة الكاملة في الحياة الثقافية والفنية، وأن تشجع على توفير فرص ملائمة ومتساوية للنشاط الثقافي والفني والاستجمام وأنشطة أوقات الفراغ، لما ينطوي عليه اللعب من إيجابيات كثيرة وهو لصالح نموّ الطفل النفسي، ويخلق جوّاً تفاعلياً ونفسياً وعاطفياً وإيجابياً بين الأهل والأبناء، ممّا يسمح للطفل ببناء ثقته بنفسه أمام أهله ويدرّبه على التأقلم الاجتماعي والحضور الفاعِل في بيئته.
لذلك، واجبنا كأهل ومنظمات أهليه وتربوية وشؤون اجتماعية وحتى البلديات الحرص على حق الطفل المشروع في اللعب، بتوفير الأماكن الخاصة له والتي تستوعب الشريحة ذات الدخل المحدود بالدرجة الأولى، بالتالي عندما نوفّر للطفل مقومات الحياة الطبيعية، نكون قد ساهمنا في بناء مجتمع متعافٍ من أساسه، فهذا الطفل سيصبح يافعاً ثم شاباً، أي أنه بذرة زرعناها ويجب أن تنبت في بيئة صالحة لتعطي ثمراً صالحاً، وبالتالي ضرورة وأهمية ألاّ يُحرم أي طفل من حقه في الترفيه، لأن أهمية كل لعبة فيما يمكن أن تحمله من معلومات وأفكار، وكذلك الأساليب التي تساعد الطفل على تعلّم أشياء جديدة، كما أن من شأن اللعب والاستجمام، إلى جانب ما يوفرانه من متعة وبهجة، أن ينمّيا روح الابتكار والمخيلة والثقة في النفس والكفاءة الذاتية، فضلاً عن القوة والمهارات البدنية والاجتماعية والمعرفية والعاطفية لدى الأطفال. لذا من واجبنا أن نحرص على صحة أطفالنا النفسية بعد بات كثيرون منهم مشوّهين نفسياً لأن لا قدرة للأهل على تنمية مهاراتهم وقدراتهم في مراكز خاصة، فوجدوا الشارع ملاذاً لهم، وأصبحوا هنا عرضة لتلقي كل الألفاظ السيئة والأفعال غير الأخلاقية، وتعرضهم للعنف منن قبل المارة أو سكان الحي تحت ذريعة التوتر الناجم عن أصوات الأطفال والإزعاج أثناء اللعب.
من هنا علينا أن نعيد النظر جميعاً بحقوق أطفالنا علينا، في المنزل والمدرسة والشارع وفي مراكز التأهيل، وما يحتاجونه من رعاية صحية ونفسية، وأن نغسل القهر من نفوسهم بسبب الحرب وبعده الحجْر الناجم عن الوباء، ونعطيهم حريتهم وحقوقهم وخاصة في اللعب، وأن نعودهم من خلاله على اللفظ الحسن والمحبة التي لا تأتي إلاّ من المعاملة الحسنة. كذلك لابدّ من النظر بإعادة تأهيل الحدائق العامة ومراكز الترفيه ذات الأجور الرمزية والتي تهتم برعاية الأطفال، لنتمكّن من تخليص الطفل قدر ما نستطيع مما خلفته الحرب من ضياع في نفسه، ونعيد له ولو جزءاً بسيطاً من حقه في المحبة والعيش الكريم والنفسية المتعافية، فنبعده عن الشارع الذي لا يعلّمه إلاّ الأفعال السيئة والألفاظ البذيئة والعادات البعيدة عن السلوك الحسن.