شعب لا يعرف اليأس
وعد حسون نصر:
نعم، الشعب الفلسطيني شعبٌ لا يعرف اليأس، فكل ليمونة ستنجب طفلاً ومحال أن ينتهي الليمون..
اعتدنا أن نراهم ينهضون مثل طائر الفينيق من تحت الركام، عيونهم ترنو للمستقبل، وقلوبهم تحمل أمل العودة، أطفالهم شباب الغد الواعد مشروع شهادة مستمر حتى تعود الأرض لأصحابها، كهولهم سلموا الراية للجيل الواعد، رووا الحكايات المحمّلة بالبطولات، خبّروهم عن الزيتون، عن الليمون، عن القسّام، وزيّنوا الجدران بمفاتيح الأبواب المبشرّة بالعودة.. نعم، شعب لا يعرف اليأس، فمازال يحمل القلم بيد والحجر باليد الأخرى، وفي نضاله اليوم هزّ العالم بأكمله من أجل حق مشروع، سطّر المجد بالصمود وقدم قوافل من الشهداء، اليوم تفيض الإنسانية بكل النفوس الطيبة في العالم من شرقه لغربه ومن جنوبه لشماله لتساند هذا الشعب الجبّار، لتقف بجانبه من أجل حقّه في الحياة.
لم تكن قضية فلسطين يوماً قضيةً تخص الشعب الفلسطيني وحده فقط، بل هي قضية أمّة بأكملها، فما يجري في غزّة اليوم يدمي نفوسنا جميعاً، ربما لا نستطيع أن نتعاضد مع إخوتنا في فلسطين بالسلاح أو حتى بالحجر كشعب، لكن من المعيب أن نغمض عيوننا ونصمَّ آذاننا ونكمّ أفواهنا عن حقهم بالحياة الكريمة وعودة بياراتهم وبيوتهم لهم، أطفال غزّة اليوم يصارعون الموت تحت الأنقاض، يخبرنا العالم أجمع أنهم طيور سلام حلّقت نحو السماء لتخبر الله أن الظلم فاق الوصف وأن نيران الغدر حرقت ألعابهم، انتزعت من تحتهم فراشهم ومزقت أغطيتهم، وفوق كل هذا الوجع لم تبخل بإزهاق أرواحهم بينما العالم مازال صامتاً مكتوف الأيدي!! فبحق السماء، ارحموا أطفال غزّة فهم طيور سلام تزيّن حياتنا! قفوا أيها العرب وقفة حق، ومن لا يستطيع بالسلاح فليقف بقلمه، ومن لا يمكن له الوقوف باليراع فليقف بالصوت ليسمع بني صهيون أن الدار دارنا وهي بلاد كل العرب، فيها سجد المسلمون للقبلة، وفيها بشّر المسيح بالسلام، ومنها كلّم الله موسى، فهي مهد الأديان وخير أرض بشرّت بالعنب والليمون والتين والزيتون.
نعم، هي فلسطين ببحرها وسهلها وجبلها وسمائها، اغتسلوا جميعهم بدماء شعبها الطاهر، هذا الشعب الحي المولود من الموت، المؤمن أنه سيصل يوماً ما إلى حقوقه، ادعموهم بالحب، بالأمل، فبلادهم أولى القبلتين وبوابة النصر والفتوحات العربية، ولكن لا يغيب عنّا أن فلسطين مازالت حيّة في نفوس أحرار العرب، في نفوس أصحاب الضمير من أهل الحرية، أطفال غزة ونسائها وكهولها وشبابها، هم نقطة الحوار في رواية السلام، وحصارها قيود كبّلت معاصم الأحرار، ولكن لابدّ للقيد أن ينكسر، وتحمل اليد الحجر لتقابل به عين الجزار التي لا ترنو إلاّ للشرّ، ولا تطمح إلاّ إلى رؤية المزيد من دمنا العربي مسفوحاً.
(سنرجع يوماً) كلمة يردّدها أهلك يا فلسطين، بعيون ترنو إليك، سيرجعون ورايتك خفّاقة في أيديهم وحبك خفّاق في أفئدتهم.. من قال إن ذكرك غاب عنّا يوماً، ومن قال إن قضيتك طواها الزمن بدفاتر النسيان، فكيف لنا أن ننسى محمد الدرة، وكيف لنا أن نُغيّب ذكرى إيمان حجو، وكيف ننساك يا فارس عودة وأنت تتحدى الدبابة بالحجر، والكثير الكثير من أطفال السنديان الصامدين في وجه العدو الغاشم بحقول الليمون والعنب بفلسطين لا يمكن أن تمسحهم الأيام من الذاكرة، فهم سبب مباشر لنطالب بحق العودة، وهم شعاع نور بنفس كل عربي حرّ لا يقبل الظلم ولا عتمة ظلامه الدامس، لذلك ستبقى قضيتنا الأولى والأخيرة القدس أرض السلام، فكيف لبلد وحّد الأديان أن يبقى أسير حقد صهيوني بسبب شتات شمل العرب من حوله!!؟؟
من هنا علينا أن نوحّد ضمائرنا لنعيد الحق لأصحابه، ونوحد الأديان من جديد تحت قبة القدس على قرع أجراس كنيسة بيت لحم وتكبيرات مآذن الأقصى، وبضحكة الطفولة ستزهر بياراتك من جديد يا فلسطين، ويفيض بحرك يا غزة بخيره، فمن يذُق طعم ليمونك سيعلم أنه روي بدماء شهدائك، وهذا وحده يجعلنا نقف أمام مطلب الحق في عودة الأرض لمن رواها بدمه، ولتبقى فلسطين عربية وغزة رمز الصمود.