لأنها (النور).. في الذكرى العشرين لإعادة اصدارها
بشار المنيّر:
بعد احتجابها القسري الذي استمر نيّفاً وأربعين عاماً، عادت (النور) في 13/5/2001 بإصدارها الجديد، كي يعمّ النور زوايا كانت ومازالت منسية بانتظار شعاع النور.. عادت لتقول للناس: نعم، يحق لكم أن تطمحوا إلى وطن حر وشعب سعيد، في زمن تتحول فيه الأوطان شيئاً فشيئاً إلى شظايا عولمة متوحشة تأكل الأخضر واليابس.
عادت (النور) لأن العامل السوري مازال يبحث عن لقمة شريفة، بحدٍّ أدنى للأجر يقيه الوقوف في طوابير الإعانات، ولأن الفلاح السوري مازال يعاني منغّصات قديمة.. قديمة، وسياسات مجحفة تهمّش الزراعة والمزارع، ولأن المثقف السوري ملّ الرقيب القابع في رأسه.. المقيم.. المقيم، ولأن المرأة السورية مازالت تعاني وطأة تشريعات بالية تعيق طموحها إلى المساواة مع الرجل، وتبقيها قاصرة، موطوءة، لا تملك قرارها.
وأخيراً، فقد عادت (النور) لأننا لم نبتعد يوماً عن هموم المواطن السوري، وكنا حتى في ظروف العمل السري ندافع عن همومه وحقوقه وطموحاته.
أصبنا.. وأخطأنا.. خلال هذه الأعوام، أنجزنا.. وأخفقنا، لكننا لم نترك آهاً في زفرة مظلوم أو ساعٍ لمصلحة سورية إلا تلقّفناها، وعملنا على أن يسمع صداها من يجب أن يسمع.
في سنوات الجمر أعلنّا منذ البداية أننا مع سورية، وشعبها، وساهمنا مع غيرنا في تحليل الأسباب،وتوصلنا إلى أن حزمة من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية كانت وراء اندلاع الأزمة السورية، إضافة إلى التدخل الخارجي السافر الذي قادته قوى التحالف الدولي المعادي لسورية بزعامة الامبريالية الأمريكية، واقترحنا العديد من الوسائل لبدء مرحلة تغيير شامل، يحقق طموحات السوريين، وحذّرنا من استغلال الخارج المتربص، وطالبنا بإصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي شامل، وأكدنا أهمية كرامة المواطن السوري وضرورة نبذ الحلول الأمنية، وعند بدء الغزو الإرهابي لبلادنا الذي دعمته قوى العدوان الإمبريالي الغربي المتحالف مع حكام النفط وأردوغان، بذلنا جهودنا، مع غيرنا من الصحف الوطنية، في الدعوة إلى الصمود ودعم جيش سورية الوطني في مواجهة الغزو الإرهابي الفاشي، وقدّمنا اقتراحاتنا لتقوية هذا الصمود الذي تشكِّل الفئات الفقيرة والمتوسطة عماده الرئيسي، ولم نسكت عن كل السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي لا تصبّ في تصليب هذا الصمود، واعتبرنا أن مكافحة الفساد الذي تحول إلى (غول) يمارس سطوته في جميع المفاصل الرئيسية، هي شرط أساسيّ لتحقيق المهام السياسية والاقتصادية والاجتماعية الماثلة أمام وطننا وشعبنا.
واليوم، بعد أن استطاع جيش أبناء السوريين طرد الإرهابيين وأعاد الاستقرار إلى معظم الأرض السورية، نعمل مع غيرنا من القوى السياسية الوطنية، لمقاومة الاحتلال الصهيوني والتركي والأمريكي للأرض السورية، ومواجهة بقايا الإرهابيين، وتهيئة الأجواء لإنجاح الجهود السلمية لحل الأزمة السورية بالاستناد إلى الثوابت الوطنية، ودفع الأطياف السياسية والاجتماعية والإثنية الوطنية من أجل التوافق على مستقبل سورية الذي أعلنّا منذ البداية أننا نناضل كي يكون ديمقراطياً.. علمانياً.. تقدمياً.. مدنياً عبر حوار وطني شامل، واضعين شعارنا الوطني الأهم وهو: سيادة سورية ووحدتها أرضاً وشعباً، ولا للتقسيم مهما تعددت أشكاله وتسمياته، ونعم للحفاظ على حقوق المواطنين السوريين السياسية والديمقراطية والاجتماعية.
لم تمرّ سنوات الجمر دون أن تترك آثارها على (النور) وأسرتها، ففقدنا الرفيقين إبراهيم قندور وأحمد عليوي، بالرصاص الغادر والقذائف المجرمة، وودّعنا الرفيق باسم عبدو الذي رحل قبل الأوان، لكنه باقٍ معنا دائماً، والرفيق عبد الله الصباغ (أبو عمار) المعلّم.. الذي نهل من ينبوعه الكتّاب والمحرّرون في (النور).
سافر من سافر، وغادرنا من غادر، وزادت الأعباء المالية من همومنا، بعد أن فقدنا إيراد الإعلانات، وتضاعفت هذه الهموم بعد أن انسحبت الحكومة من دعم الصحف الوطنية، فلجأنا إلى الخيارات الصعبة بتخفيض عدد صفحات الجريدة، وممارسة سياسة التقشف إلى درجة لا تصدَّق، ثم مع اجتياح (كوفيد 19) وإيقاف طبع الصحف، اكتفينا بالجريدة الإلكترونية، بانتظار الفرج.
(النور) مازالت على العهد، منذ أن تأسست في منتصف خمسينيات القرن الماضي، إنها أقرب إليكم من أي وقت مضى، إنها صوت المواطن الذي كان، ومازال، يطمح إلى الوطن الحر، السيد، الذي يعظّم كرامة المواطن وحريته.
بعد إطفاء الشمعة الـ20 لإصدارنا الجديد، تحية لكل من كتب لـ(النور)، ولكل من انتقد (النور)، ولكل من يقرأ (النور) ولكل من دعمها، ولكل من ساهم معنا في الاحتفال بالذكرى العشرين لإعادة إصدارها، وعهداً على أن تبقى (النور) صوت الوطن.. صوت العامل والفلاح والمثقف والمرأة والشباب.. صوت الشعب السوري بأسره.