على طريق الشعب | في عيد الحزب السابع والثمانين.. مسيرة مجيدة ودروس ثمينة

عندما خرج حزبنا الشيوعي العراقي إلى النور في مثل هذا اليوم، الحادي والثلاثين من آذار، قبل سبع وثمانين سنة، كان العراق قد صحا من سبات القرون الطويلة تحت هيمنة الظلام والظلم العثمانيين، وبدأ يستشعر ويتجاوب مع نبض الزمن الجديد المتشكّل في أعقاب الحرب العالمية الأولى، مع انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا، وانتشار أفكار تحرر الأمم وحقوق الشعوب ومُثُل التقدم والعدالة الاجتماعيين.

وقد جسّد الحزب ذلك في اقتحامه المسرح السياسي، رافعاً شعارات النضال ضد الاستغلال الطبقي إلى جانب النضال ضد الاستعمار وفي سبيل التحرر والاستقلال. تلك الشعارات التي ترسخت في مجرى العقود التالية، وانعكست في تكريس الحزب نفسه للكفاح المتجدد من أجل الشعب والوطن والعطاء لهما، والدفاع عن حقوق ومصالح العمال والفلاحين وعامة الكادحين، ومقارعة الظلم والقهر والاستبداد، ومحاربة التمييز بكل أشكاله: القومي والديني والطائفي والفكري والسياسي، والوقوف بثبات ضد مصادرة الحقوق والحريات، والتمسك بقيم المواطنة والمساواة واحترام الإنسان وكرامته، ورفض كل مظاهر التطرف والتعصب والإرهاب، والتشديد على اعتماد الأساليب السلمية والديمقراطية في حلّ المشكلات السياسية والاجتماعية.

ومنذ البداية أيضاً أعلن الحزب بجلاء موقفه المنحاز إلى المرأة وحقوقها وقضية تحررها ومساواتها، وهو الموقف الذي تمسّك به على الدوام وطوره، مثلما شدّد على رعاية الشباب، وتأمين الحقوق والحريات المكفولة لهم دستورياً، وضمان إسهامهم إناثاً وذكوراً في بناء العراق وفي صنع تقدمه ورقيه. وبجانب ذلك وضع نصب عينيه على الدوام قضية حرية الثقافة والإبداع، واحترام التعددية الفكرية والسياسية والقومية في ثقافتنا الوطنية، وتوفير متطلبات ازدهارها ورعاية مبدعيها وعامة المثقفين.

وعلى المستوى الأممي عبر عن الدعم الثابت لنضال الشعوب في سبيل حقوقها القومية العادلة وفي مقدمتها الحق في تقرير المصير، وجسّد ذلك بوجه خاص في مساندته حقوق الشعب الكردي ومطالبه القومية المشروعة، وفي دعمه قضية الشعب الفلسطيني وحقه المشروع في بناء دولته الوطنية المستقلة على أرض وطنه، وعاصمتها القدس.

وكما أسهم حزبنا بنصيبه الكبير في نضالات الشعب وانتفاضاته ووثباته، وفي إطلاق ثورة 14 تموز 1958 وصيانة وليدها النظام الجمهوري ومكتسباته، فإنه وقف بقوة في السنين الماضية ولا يزال إلى جانب الحركات الاحتجاجية والمطلبية لجماهير الشعب، وهبّاتها وانتفاضاتها المتعاقبة وآخرها انتفاضة تشرين البطولية المتواصلة، بل وساهم مباشرة في كفاحها السلمي، وبذل الجهود وما زال لتوسيع صفوفها وتعظيم دورها في دحر الطائفية السياسية والمحاصصة والفساد، وفي تأمين الخدمات وفرص العمل، وتعميق الممارسة الديمقراطية وضمان حرية الرأي والتعبير.

لقد كانت المسيرة التي اجترحها الحزب خلال أعوامه السبعة والثمانين الماضية، وهو يخوض غمار سلسلة لا تنقطع من الصراعات اليومية والمعارك النضالية المتواصلة في سبيل أهدافه المعلنة، ولإنجاز المهمات الكبيرة التي يتضمنها برنامجه.. كانت مسيرة ملهمة بحق، اخترق في سياقها ميادين بكراً في النضال الوطني والطبقي، وتصدر في خضمها كفاح جماهير الشعب وكادحيه مقداماً جسوراً، ليحرز معها الانتصارات ويواجه النكسات بإرادة صلبة وصمود وعزيمة تجديد لا يتزعزعان. وليدفع ثمن وفائه للشعب وحقوقه، وتمسكه بمبادئه وقيمه ومثله السامية، تضحيات عظمى من أرواح قادته الميامين وكوادره الأبطال والآلاف المؤلفة من أعضائه ومناصريه الشجعان البواسل، تضحيات تحولت إلى منارات شامخة في مسيرته الحافلة المضيئة، التي خرج منها بدروس وعبر لا تقدّر بثمن، شكّلت معيناً لا ينضب لنضالاته غير المنقطعة اللاحقة.

إن تلك الدروس هي ما تمس حاجتنا للتعلم منها اليوم، ونحن نواجه مهمة ومتطلبات التغيير الناجز، لإنقاذ شعبنا وبلدنا من طاعون الطائفية السياسية والمحاصصة والفساد.

ولعل من الأهم بينها ذلك الدرس المتعلق بتطوير صلاتنا مع الجماهير، التي لا معوض عن دورها في تحقيق التغيير. فحجر الزاوية في هذه العلاقة هو ثقة الجماهير، ولابد بالتالي من السعي بدأب ودون كلل إلى كسب هذه الثقة.

ولأجل ذلك يتوجب على الشيوعيين الاحتكاك المباشر بالناس، وتلمّس معاناتهم، ومشاركتهم مباشرة في صراعهم اليومي دفاعاً عن حقوقهم ومطالبهم. كما أن عليهم الارتقاء بخطابهم وأساليب عملهم، وبما يقدمون من حلول للمشكلات التي تثقل كاهل الجماهير وتسمّم حياتها.

وهناك من تلك الدروس الغنية ما يخص التواصل مع عناصر المجتمع المختلفة، وتهيئة المتطلبات لبناء الاصطفاف الوطني الديمقراطي المدني الواسع، الضروري لدفع البلاد نحو عملية التغيير والخروج من دوامة الأزمات إلى فضاءات التنمية والتقدم. وهنا يلزم إدراك الحاجة الماسة إلى الانفتاح على القوى الخيّرة الأخرى، ونسج الصلات معها، وجذبها للاجتماع على القضايا والمشاريع المشتركة. وذلك ما سعى حزبنا إليه بالفعل في الآونة الماضية، وما يواصل السعي اليوم بجهد أكبر، وهو يواجه مع البلاد التحديات الكثيرة غير المسبوقة، والمخاطر الكبرى التي تتهددها من كل صوب.

ويبقى كنز الدروس التي حفلت بها مسيرة السنين السبع والثمانين المجيدة لحزبنا الشيوعي العراقي، والتي يتصل بعضها طبعاً بالحزب ذاته وتنظيمه وبنائه ونشاطه، معينا ثرّاً تلزم الشيوعيين العودة إليه دائماً، ويتوجب عليهم استلهام عبره اليوم بصورة خاصة، وهم منخرطون في معترك النضال المعقد والصعب مع سائر القوى الوطنية الديمقراطية والمدنية المخلصة، لإنقاذ البلاد من المنزلق المدمر الذي تدفعها إليه قوى الطائفية السياسية والفساد، ووضعها على سكة السلامة، سكة الدولة المدنية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جريدة (طريق الشعب) ص1

الأربعاء 31/ 3/ 2021

 

المركز الاعلامي للحزب الشيوعي العراقي

العدد 1104 - 24/4/2024