مجرمون لا تطولهم العدالة!
محمد علي شعبان:
قد يسأل البعض: من هم؟ وأين يعيشون؟
ونجيب: إن حكام العالم الذين يصنعون الحروب، ويظلمون الشعوب، يمارسون الإجرام بنسب تختلف من حاكم إلى آخر. وهم مجرمون بحق الشعوب التي تدفع ضريبة الحروب فقراً وجوعاً، وتعاني الأمراض والأوبئة، بسبب قرارات الحصار، المفروض من قبل أولئك الحكام، الطامعين بالسيطرة على ثروات الفقراء، والتحكم بمصيرهم.
إن معاناة الشعوب العربية في سورية، والعراق، وليبيا، ولبنان، واليمن، تدل على مقدار الجريمة التي ترتكبها حكومات العالم الرأسمالي، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ومن يقف في تحالفها.
نعم، هناك مؤامرة لإضعاف الدول التي لا تستجيب لمطالب قوى العدوان وإملاءاتها، وهذا مفهوم. لكن، أن تصبح إبادة الشعوب الفقيرة بطريقة الموت البطيء جوعاً وعطشاً ومرضاً، نهجاً وسياسة دائمة، فهذه جرائم يرتكبها قادة دول العالم الرأسمالي، بحق الشعوب الفقيرة. ولا يجوز السكوت عنها، مهما كانت الدولة قوية والحاكم جائراً، ما دام يصل إلى كرسي الحكم عبر انتخابات من قبل الشعب، الذي يتحمل مسؤولية اختياره لحاكم ظالم.
نفهم أن قادة وحكام أولئك البلدان يهتمون بشعوبها حتى ولو سرقت مقدرات الشعوب الأخرى. لكن هذا لا يبرر لشعوبها الغنية أن تلتزم الصمت على جرائم حكامها، بحق شعوب دول العالم الفقيرة.
لذلك تبقى شعوب العالم الغنية موضع اتهام، ما دامت تدّعي الإنسانية، وموافقة على شرعة حقوق الإنسان، وتلتزم الصمت حيال تجويع شعوب وإفقارها، وتدمير مقدراتها، وهي لا ذنب لها سوى أنها فقيرة. فكيف يعيشون ترفاً ويتنعمون بالخيرات، والأطفال والنساء في العديد من البلدان، يموتون من الجوع والبرد وسوء التغذية، بسبب العقوبات الجائرة، من قبل حكامهم الذين يتبجحون بالدفاع عن الديمقراطية وبمحاربة الإرهاب؟!
إن العقوبات الجائرة بحق الشعب السوري واليمني وباقي الشعوب الأخرى، هي وصمة عار على جبين حكام وشعوب الدول الرأسمالية التي تدعي التحضر والدفاع عن حقوق الطفل!
ماذا عملت المؤسسات المعنية بالدفاع عن حقوق الطفل لأطفال اليمن وأطفال سورية؟!!
من يصدّق أن أجهزة الاستخبارات العالمية، التي تستطيع أن تعرف، وتحدد أين نكون وماذا نأكل، وكيف نفكر، لا يمكنها معرفة وتحديد أن العقوبات المفروضة تطبق على الشعوب وتزيدها فقراً دون أن تؤثر على الحكام الذين تتذرع بحصارهم ومعاقبتهم.
إن تجربة حصار العراق، في القرن الماضي، تؤكد صحة ما أقول.
هل أثرت العقوبات على الرئيس صدام حسين طيلة سنوات الحصار؟! لقد أفقرت العراق ودمرت مقدراته، وقتلت العلماء، وسرقت ثرواته، وغاب الأمان، وانتشرت الجريمة، وعمت البطالة والفقر. وأصبح الشعب العراقي أكثر ارتباطاً وارتهاناً للرئيس صدام حسين، الذي لم تؤثر عليه العقوبات.
نعم، هناك من يقول: إن الشعوب لا تتهم، ما دامت محكومة.
يصح هذا القول على شعوب البلدان المتخلفة والمحكومة بنظم استبدادية تمنعها من التعبير عن رأيها. لكن من غير المقبول في دول تدعي الديمقراطية، وتعمل على تصديرها، وتقيم الحروب والحصار والتجويع بحجة نشرها، على بعد آلاف الكيلو مترات عن حدودها، من غير المقبول أن تصمت على جرائم حكامها، وهي الوحيدة القادرة على منعهم، ما لم تكن موافقة على جرائمهم.
كنا ننتظر من شعوب تلك الدول أن يكونوا سنداً للشعوب الفقيرة، وليس سنداً لحكامهم المتجبرين، الذين يريدون صناعة العالم كما يرغبون.
من صنع الحروب في بلدان كانت تعيش بأمان لمئات السنين؟!
هل صنعته الشعوب الفقيرة؟! أو صنعته الدول الكبرى التي قطعت البحار، لتستولي على منابع النفط هنا وهناك؟ من صنع الإرهاب، والتطرف الديني والعرقي؟ من مارس الإرهاب بحق الشعوب الآمنة؟ من ساهم بتهجير الفلسطينيين؟ ومن قتل الهنود الحمر واحتل أرضهم؟!!
إن سياسات التطرف والإرهاب في معظم بلدان العالم، تعود لمؤسسيها الحقيقيين، الذين يدّعون الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان.
لقد أثبتت العشر سنوات التي مرت، على انطلاق الثورات المضادة، في كل من سورية، واليمن، وليبيا، وغيرها من البلدان أن التقارب الحاصل بين دول الخليج العربي، من جهة، والإدارة الأمريكية من جهة ثانية، يطرح سؤالاً محدداً:
لماذا لم تطالب الإدارة الأمريكية حلفاءها من الدول الخليجية بتطبيق الديمقراطية؟!
وهل (الديمقراطية وصناديق الانتخاب) الموجودة في السعودية والبحرين وقطر وغيرها من دول الرجعيات العربية، هو النموذج الذي تريده أمريكا وتعمل من أجله!؟
إن الظروف القاسية التي تعيشها البشرية، في ظل الهيمنة الأمريكية على معظم دول العالم، تقتضي الثورة الحقيقية، والتغيير الحقيقي، لنظام عالمي تفرّد بالعالم لثلاثة عقود كان مبدعاً بأنه أشعل الحروب، في العديد من البلدان، بغية الهيمنة على مقدرات البشرية، والتحكم بها.
لقد آن الأوان لثورة حقيقية تنتج نظاماً عالمياً أكثر عدلاً وحباً وتسامحاً، يضمد الجراح النازفة التي صنعها النظام الحالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، التي دمرت القيم الإنسانية، وزرعت مكانها التوحش، والظلم، والقهر.