بين حجابي وألواني الزاهية كثرت الأحكام

وعد حسون نصر:

شريحة كبيرة في مجتمعي تحكم على المرأة من خلال ملابسها، وتعطي الحكم الأكبر للشكل بعيداً كل البعد عن الفكر، فالبعض يرى سفور المرأة عاراً، وأنها من خلال ملابسها الضيقة والزاهية وتسريحة شعرها واللون الأشقر حصلت على مكانة راقية في العلم، وخاصةً إذا كانت من أصحاب الوجه الضاحك والكلمة الطيبة، هنا تكثر الأقوال: جميلة، ومبتسمة دائماً، وكلامها معسول، من الطبيعي أن تكسب ودَّ صاحب العمل وتختار أفضل مكان لها، فنحن غالباً نحكم على الشكل وخاصةً في مجال العمل، كذلك في السكن الشعبي الجارة وكما يقال في العامية (الزهراوية) منبوذة بحجّة أنها تسلب عقول الرجال وقلوبهم، والمشكلة الأكبر إذا كانت موظفة وتخرج للعمل كل يوم، هنا تصبح في نظر الجميع وخاصة النساء للأسف امرأة والعياذ بالله، مع العلم أن العكس صحيح تماماً فكثير من النساء غاية في الأناقة والجمال ومثقفات قبل التعلّم وموظفات لكنهن مثال للتربية والأخلاق والانتظام وتحديداً ضمن أسرتهن وأطفالهن، الحكم من خلال الشكل لا نراه إلاّ في مجتمعاتنا العربية النامية التي تجعل من الدين سيّد الأحكام، وبالتالي لا يختلف الأمر عند المرأة المحجّبة، فالكثير يرى أن على السيدة المحجبة أو الفتاة الالتزام فقط بالمنزل والعمل ضمن ما يطلب منها كامرأة، فلا داعي للخروج إلى سوق العمل ولا حتى التعلّم، والكثير منا للأسف ينظر لهذه المرأة على أنها جاهلة لا تعرف إلاّ الطبخ وغسل الملابس وتنظيف المنزل، ولا يحق لها أن تشتري قميصاً زاهياً أو حتى قلم حمرة.

لماذا لا نكون وسطيين نرى الحقيقة كما هي بعيداً عمّا يجول في رؤوسنا الجاهلة من مفاهيم ورثناها عن الأهل خطأً، وعن المجتمع بطريقة مغلوطة، المرأة الجميلة وإن خلقت جميلة فهي ليست كما يظن البعض جاهلة وسخيفة وتمرّر مصالحها من خلال جمالها، الفستان الأحمر ليس بالضرورة أن يكون رمز فجور للمرأة، فمن قال إن الألوان تحدّد شخصيتنا، والكعب العالي لا يدل على أن السيدة جاهلة وتفكيرها فقط بمظهرها، الكثير من الجميلات محتشمات بالفكر، مثقفات وطبيبات وحشمتهن أكثر بكثير من البعض اللواتي يقطنَّ في منازلهن وراء السواتر، لكن على جوالاتهن أعداد لا تحصى من الرجال والحديث لا ينتمي للأخلاق بصلة، كذلك ليس اللون البترولي لحجاب السيدة دليل على جمود فكري وصلابة عقل، الكثير من السيدات المحجّبات غاية بالانفتاح الفكري وغاية بالرقي وبعيدة كل البعد عن التخلّف، فهي طبيبة تعالج الناس بكلمة طيبة قبل الحقنة، والكثير منهن شاعرات يفيض الحب الدافئ من بين سطور شِعرِهن، والكثير منهن مربيّات فاضلات ومدرّسات يحاربن الجهل ويأخذن بيد الطالبات للحرية والمطالبة بحقوقهن بالتعلّم والزواج المناسب البعيد عن سلطة الأهل، هؤلاء النسوة غاية في الرقي داخل منازلهن وخارجها، لا تحكموا على الشكل فليس كل ما يلمع ذهباً، وليست كل متبرّجة غانية، ولا كل محجّبة ناسكة، الإنسان ابن بيئته وكما يتلقّى من البيئة حوله تكون تصرفاته، انظروا للمرأة على إنها إنسان كامل، مواطن حقيقي له دور كبير في بناء مجتمعه ولا تقلّ عن الرجل، فهي عقل كامل لا ناقصة عقل، تعرف حلالها وحرامها وليست ناقصة دين، لا تسلب المرأة حقها من خلال ملابسها، فيحق للمرأة المحجبة والمرأة غير المحجبة أن تختار نمط حياتها، أن تستلم المكانة المناسبة التي تناسب دراستها ومخزونها الثقافي والعلمي، دعوا الشكل الخارجي لحكم الجهلة، فنحن ننظر ونتوق للرقيّ والتقدّم نحو الأفضل، ولا نتوق للتقوقع ضمن أفكار جاهلة غرسها الأقدمون فينا، تعلموا أن الدين لله والوطن للجميع، وليست الملابس من تحكم على النساء، الفكر وحده سيّد الأحكام وهو منبع الأخلاق.

العدد 1104 - 24/4/2024