حول اللقاء التشاوري 2011

اللقاء الحواري التشاوري الوطني لن يكون إرضاءً للخارج.. ولن يعقد كرمى لعيون من يستقوي بضغوط الولايات المتحدة الأمريكية وتهديدات أوربا، فتجارب شعبنا عبر تاريخه الحديث مع الضغوط الأمريكية، علمتنا أن إغضاب الإمبريالية أسهل بكثير من إرضائها، بل يعقد هذا اللقاء ليؤكد حقيقة غابت عن أذهان الأمريكيين والأوربيين، وهي أن أطياف الشعب السوري لن تفرط بوحدة وطنها، ولن تذهب إلاّ إلى الحوار الديمقراطي المفتوح لحل هذه الأزمة. وهذا ما أكدته جميع القوى السياسية والاجتماعية في البلاد، إذ دعت في لقاءات متعددة إلى حل سياسي ديمقراطي، وعدم الانجرار للخطاب الطائفي، ورفض التدخل الخارجي. لذلك تتطلع جماهير شعبنا إلى اللقاء العتيد بكثير من الأمل.. وشيء من القلق.

أما الأمل فمرده اقتناع الجميع بأن الحل السياسي، لا أي حل آخر، قادر على وضع نهاية لأزمة شغلت السوريين وأثارت قلقهم وهددت استقرارهم.مرده الإجماع الوطني على ضرورة الحوار الجدي الواسع والمتساوي بين جميع مكونات الشعب السوري.

وأما القلق فسببه الخشية من ممارسات أصحاب المخططات الطائفية السوداء، الذين يهدفون إلى تخريب النسيج الاجتماعي والديني والإثني المتنوع المتلاحم لشعبنا. سببه التصعيد المحتمل لمن يحمل السلاح ويوجهه إلى صدور قواتنا المسلحة في محاولة لعرقلة المشروع الإصلاحي برمته. سببه ردود أفعال بعض المتضررين من مجرد عقد هذا اللقاء الوطني الواسع ممن يرتعدون خوفاً من الديمقراطية والتعددية التي سيخترق ضوءها الزوايا المعتمة التي عشش فيها هؤلاء المنتفعون من غياب المساءلة والمحاسبة، والفاسدون.. والمرتشون الذين كدسوا الثروات في غفلة من القوانين والأنظمة. ونحن نرى ضرورة الحذر من ردود الأفعال هذه، وتوعية جماهير شعبنا بمخاطر الانجرار إلى مخططاتهم، والعمل على أن يخرج اللقاء التشاوري مخيباً لآمالهم. ونعتقد أن إصدار عفو عن سجناء الرأي، وإطلاق سراح المعتقلين على خلفية الأحداث التي تمر بها البلاد، ممن لم يتورطوا بحمل السلاح، يصب في هذا الاتجاه.

إن إقرار الجميع.. ودعوتهم إلى الحوار لايعني مبدئياً نجاح هذا الحوار، فهو مظهر جديد في المشهد السياسي السوري، لم يألفه الكثيرون..وحاربه الكثيرون، وهو لقاء بين أطراف وأطياف مختلفة لم تتحاور يوماً من موقع متساو..وغابت الثقة عن حواراتها في الماضي، وهي تحمل إلى هذا اللقاء مشاريع قد تبدو متناقضة للوهلة الأولى، وربما يلجأ بعضها إلى التركيز على نقد الماضي.. وممارسات الماضي، أكثر من التمركز على الحاضر القلق، والمستقبل الذي نريده واعداً بتحقيق مطالب جماهير شعبنا السياسية والاجتماعية، وقد يضع بعضها شروطاً ومتطلبات قد يفسرها آخرون بأنها عقبات أمام هذا الحوار.

لذلك وحرصاً على نجاح الحوار الوطني العتيد، نطالب الجميع بالتطلع إلى الأمام، وتخطِّي مظاهر فقدان الثقة، وفتح صفحة جديدة جوهرها وضع الأسس الديمقراطية الكفيلة بنقل سورية إلى دولة مدنية ديمقراطية متحررة من أي هيمنة لحزب أو فئة، يتم تبادل السلطة فيها عبر صناديق الاقتراع، قوية بوحدتها الوطنية وتماسك شعبها بمكوناته المتعددة، دولة مقاومة للمشاريع القديمة والجديدة الهادفة لترتيب المنطقة وفق المصالح الأمريكية والصهيونية، تحرر أراضيها المحتلة مستخدمة جميع الوسائل المتاحة. دولة تسعى إلى تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة ومتوازنة، بعيدة عن اقتصاد السوق المتوحش، وعن نصائح ووصايا ونماذج المؤسسات الدولية المرتبطة بالرأسمالية العالمية، وتعيد بناء قطاعاتها الإنتاجية الحقيقية كالزراعة والصناعة على أسس الكفاءة والتنافسية.دولة راعية لمصالح الفئات الفقيرة والمتوسطة، تعمل على توليد فرص العمل لمحتاجيها، وخاصة من الشباب، وتجفف بؤر الفقر التي انتشرت وتوسعت، و توزع ثمار النمو الاقتصادي على مختلف فئات الشعب وفق مبدأ العدالة الاجتماعية.

أخيراً نأمل تجاوب جميع أطياف المعارضة الوطنية المخلصة مع دعوة الحوار، كما ندعو المشاركين إلى التحلي بالصبر والمرونة وسعة الأفق، وعدم السعي وراء أي مصلحة ضيقة، فمصير سورية.. ووحدتها..واستقرار شعبها فوق كل مصلحة أخرى.

العدد 1102 - 03/4/2024