من البيان الشيوعي في ذكرى وفاة ماركس

د. أحمد ديركي:

لا ينتهي الحديث عند الدخول في الماركسية بل ينطلق منها. فالماركسية منهجٌ فكريّ علمي، لا غيبي يجترّ نفسه في كل الأزمنة والأماكن والأحداث ليعيد ويفسّر ويبرر كل ما هو قائم على أسس فكرية غيبية مطلقة.

وأبرز ما في الماركسية منهجها الدياليكتيكي، الممثل لمنهج التفكير العلمي المتطور مع تطور الظروف انطلاقاً من أسس ثابتة ومثبتة علمياً. لا يعني هذا أن هذه الأسس مخلّدة أو أزلية، كما هو الحال في الفكر الغيبي، بل تنطلق من الظروف الموجودة بها وتحديداً من ظروف نمط الإنتاج القائم. فعلى سبيل المثال، لا يمكن قراءة نمط الإنتاج الإقطاعي كما يُقرأ نمط الإنتاج الرأسمالي، ولا يجوز إسقاط الحاضر على الماضي أو الماضي على الحاضر، كما يفعل الفكر الغيبي. بل يمكن استخدام المنهجية الماركسية العلمية، المنهج الدياليكتيكي، لقراءة نمط الإنتاج الإقطاعي لمعرفة قوانين تشكله وتطوره وصراع تناقضاته التي ولّدت نمط الإنتاج الرأسمالي.

الماركسية، وإن اشتقت من اسم كارل ماركس (ولد في 5 أيار 1818، وتوفي في 14 آذار 1883)، ومن هنا أتت فكرة كتابة هذا المقال لتكون شاهداً على أهمية فكرة، إلا أنها لا تقتصر على ماركس فقط، بل تضم كل المفكرين الماركسيين الذي يتبعون المنهج الدياليكتيكي وأضافوا إليه، من أمثال فريدريك إنجلس، صديق ماركس وشريكه في وضع المنهج الدياليكتيكي، ولينين وروزا لكسمبورغ و… وكثر غيرهم.

وعلى هذا فالمقصود بالماركسية هو المنهج الفكري لا تقديس النصوص، وإلا كان الأجدى البقاء ضمن الفكر القدسي.

تأسيساً على هذه الأسس الفكرية نشأت الأحزاب الشيوعية، فلو قامت على أسس تقديس الأشخاص ونصوصهم لكان الأجدر أن تسمّى أحزاب ماركس أو أحزاب فريدريك أو أحزاب لينين أو… فالأحزاب الشيوعية قاعدتها الفكرية هي المنهج الماركسي – اللينيني الذي تأخذه نقطة انطلاق لقراءة الواقع وتطوره. فلو كانت الأسس الفكرية لهذه الأحزاب تقديس النصوص ما كان لإنجلس أن يكتب (إن (البيان) نفسه يوضح أن تطبيق هذه المبادئ يتعلق دائماً وفي كل مكان بالظروف والأوضاع التاريخية في وقت معين…)_ مقدمة الطبعة الألمانية عام 1872، ص. 42).

نصّ يوضح مدى أهمية عدم تقديس النص، فلا بد أولاً من قراءة الظروف والأوضاع التاريخية في زمن معين قبل إطلاق الأحكام والتعامل معها. والقراءة هنا ليست قراءة قدسية ولا قراءة برجوازية ولا قراءة سلطوية، بل قراءة ماركسية.

المبادئ معروفة ودائمة التطور و(… انتصارها يعتمد… على التقدم الفكري للطبقة العاملة، الذي كان يجب أن ينتج حتماً عن النشاط المشترك والمناقشة)_ من مقدمة إنجلس للطبعة الألمانية عام 1890، ص. 45).

لذا يبدو هناك حاجة لتأكيد المؤكد، ألا وهو أن الأحزاب الشيوعية هي أحزاب الطبقة العاملة، أينما وُجدت، وإن ظنت بعض الأحزاب الشيوعية غير هذا فهذا شأنها لا شأن الفكر الماركسي الذي تدعي أنها تحمله.

ما يميز الأحزاب الشيوعية عن بقية أحزاب الطبقة العاملة أمران، وهما:

  • في النضالات التي يقوم بها البروليتاريون من مختلف الأمم يضع الشيوعيون في المقدمة ويبرزون المصالح المستقلة عن الجنسية…

2- يمثل الشيوعيون دائماً المصالح العامة للحركة بكاملها)_ البيان الشيوعي، ص. 67.

أي أممية الأحزاب الشيوعية. وبهذا تحدّدت مهام الأحزاب الشيوعية انطلاقاً من (البيان)، فإن تخلت عنها حينها يمكن إسقاط صفة شيوعية عنها وتصبح كبقية أحزاب الطبقة العاملة أو كبقية أحزاب البرجوازية أو أحزاب السلطة أو الأحزاب الدينية.

لم توضع هذه المهام في (البيان) عن عبث، بل لهذه المهام هدف محدد لا بدّ من تحقيقه، والهدف (تنظيم البروليتاريا في طبقة وهدم البرجوازية واستيلاء البروليتاريا على السلطة السياسية)_ البيان الشيوعي، ص 67 – 68). فالهدف هنا محدد وسبل تحقيقه موضحة.

اعتماداً على هذه القواعد الفكرية التي تقوم عليها الأحزاب الشيوعية يمكن تحديد حلفاء الأحزاب الشيوعية، ومن أين عليها أن تنطلق، وما هي المبادئ، وما هو الهدف الذي تسعى إلى تحقيقه. فالأمور واضحة وجلية بالنسبة للأحزاب الشيوعية في نمط الإنتاج الرأسمالي، إلا أن وُجدت في نمط إنتاج من طبيعة أخرى وهذا مستحيل، ويصبح نوعاً من الطوباوية أو كمن يعتقد أن الاسماك تعيش في الصحراء!

قاعدة الأحزاب الشيوعية هي الطبقة العاملة، ومهام الأحزاب الشيوعية واضحة والهدف أوضح، فحليفها لا أصحاب العمامات ولا أصحاب الصولجانات ولا الطبقة البرجوازية ولا السلطة السياسية القائمة، بل حليفها هو الطبقة العاملة. وإن ظنوا أنه لا وجود للطبقة العاملة، فحينئذٍ لا حاجة إلى حزب شيوعي!

العدد 1102 - 03/4/2024