هل تُنهي الانتخابات الإسرائيلية مرحلة نتنياهو؟

د. صياح عزام:

يُجمع معظم المتابعين للانتخابات الإسرائيلية التي ستجري في 23 آذار 2021 على أن دولة الاحتلال تسير بلا بوصلة سياسية انتخابية، فالأحزاب غدت بلا برامج مختلفة وخطابات سياسية متباينة، وحتى الائتلافات الانتخابية أصبحت بلا مناهج واضحة، الأمر الذي جعل المشهد الانتخابي يبحث عن مضمون يمكنه أن يؤدي إلى درجة ما من التمايز السياسي، لبناء أرضية عمل لمطبخ القرار الذي يبدو أنه مازال مجهول العنوان ومشوه المضمون.

المتابعون لهذه الانتخابات يقولون إن أحزاب كيان الاحتلال كأنها متخندقة بين اتجاهين:

أولهما: اتجاه محافظ، والثاني محافظ متشدد، في الوقت الذي تتشابه فيه كلها بمنطلقاتها، وبات الاختلاف القائم بين هذه الأحزاب يدور في الغرف المغلقة، ويتعلق بأسلوب العمل وآليات التنفيذ.. وهذا ما جعل مجتمع الكيان الإسرائيلي يبدو وكأنه مجتمع شمولي الطابع، وليس تعددي النشأة، وبعيداً عن ألف باء الديمقراطية المزعومة من الغرب حوله.

لقد كان يعول على أحزاب الكيان الإسرائيلي دائماً أن تشكل العناوين السياسية لبيت القرار القادم، لكن يبدو أن الاجتهاد قد أغلق لديها، واكتفى معظمها بالبحث عن توافقات تسند الهويات الفرعية وتقوم على التنوع الديمغرافي، بدلاً من مسألة التعدد السياسي، وأخذت أحزاب الائتلاف الحكومي تشكل تجمعات كتلاوية انتخابية على ضوء مسألة معالجة جائحة كورونا وغيرها.

وما يلفت النظر ويبدو مستغرباً، أن النقاش العام في هذه الانتخابات بات يتمحور حول شخص نتنياهو، وليس حول برنامج كان من المفترض الحديث حوله، مثل المفاوضات والهجرة والعدالة الاجتماعية، وبقيت حالة الاصطفاف تقوم حول قدرة نتنياهو على تشكيل الحكومة بعد نجاحاته في تطبيع العلاقات مع أربع دول عربية، إضافة إلى ما يقال حول خبرته السياسية الوازنة، وإن كان صاحب القرار في واشنطن لم يأت على هواه حتى الآن كما يقول بعض المتابعين بعد مجيء بايدن، إلا أن تلميذ نتنياهو: جدعون ساعر، المنشق عن حزب الليكود بحزب (الأمل الجديد) ويتزعم ائتلاف ما يسمى المعسكر الديمقراطي، يقدم نفسه كرئيس للحكومة القادمة، وقد يكون مفضلاً عند أغلبية الأحزاب، لكونه يمتلك روح التعامل الجماعي، وهو يميني بالوقت نفسه، ما يجعله قادراً على استمالة الأحزاب المتأرجحة، كما أنه شخصية قريبة من بيت القرار الجديد في واشنطن كما يقول أحد السياسيين.

ومن خلال ما تقدم عرضه عن المشهد الانتخابي في كيان الاحتلال، فإن مضامينه تدل على أن طبيعته ستكون محكومة بظروف الواقع، وأن الاصطفافات السائدة تتركز حول شخصية رئيس الحكومة وليس على برامج محددة، ما يجعل هذه الانتخابات تدل بوضوح على أن الكيان الإسرائيلي يسير من دون بوصلة سياسية.

والجدير بالذكر أن حالة الشرذمة داخل اليمين الصهيوني على أولويات الحكم وما يتبع ذلك من أزمة سياسية، تعود لوجود نتنياهو على رأس الحكومة وتورطه في ملفات فساد ورشاوي، ولكونه السبب الرئيس في خوض إسرائيل أربعة انتخابات حتى الآن خلال سنتين تقريباً من دون إمكانية التخلص من حكمه.

أمر آخر مهم وهو أنه مع دوامة الانتخابات هذه يتجذر أكثر فأكثر البعد العنصري في رفض مشاركة أحزاب عربية في الحكومة أو حتى دعمها من خارج الائتلاف.

على أي حال، فإن الانتخابات الإسرائيلية المزمع إجراؤها في الثالث والعشرين من شهر آذار الجاري، تمثل نقطة تحول في مستقبل نتنياهو ودوره على الساحة السياسية، فإما أن تدفع به إلى غياهب السجون والنسيان في حال فشله بتشكيل الحكومة إذا ما تأهل لتكليفها، وإما أن تشكل له أنبوب أوكسجين يطيل قليلاً بعمره السياسي، فيما لو نجح بتشكيل حكومة أقلية عنصرية متطرفة، ويتوقع الكثيرون أن تكون فرصة نتنياهو بتشكيل حكومة ضئيلة، لغياب حليفه ترامب، ولتزايد المطالبات بعزله بسبب قضايا الفساد المتورط بها.

 

العدد 1102 - 03/4/2024