الآليات اللازمة لانفراجات منتظرة

الدكتور سنان علي ديب:

في سيناريو عجائبي لتكريس سعر صرف وهمي احترق به المواطن ولقمة عيشه، وسط فوضى أسعار غرائبية تفاجئ المواطنين وتُنقص قدرتهم الشرائية المتناقصة أصلاً، بعد تضخم تجاوز الحدود وحدد القدرات الشرائية لأغلبية المواطنين، ووفق الأرقام الرسمية تجاوز التضخم الحدود المعقولة والطبيعية، فظهر انعكاس السعر الوهمي للصرف على مختلف نواحي الحياة، وبنسبة أكبر مما يجب. وحتى لو اقتنعنا بطبيعة سعر صرف المضاربات، وسط ذهول الجميع وتعجّبهم ومنهم نحن، عن آلية تكريس هذه الأسعار التي أغلبها مضاربات وهمية وتسويق تضليلي عبر الصفحات الفيسبوكية، وألعاب خداعية، ومنها ما نجده بأسعار العقارات والإيجارات التي تجاوزت المعقول، والهدف والغاية منها استكمال لعب الإرهاب الاقتصادي، وبكل المقاييس هي لا تتناسب مع الواقع ولا مع المؤشرات الاقتصادية. ولكننا يمكن اعتبارها جزءاً من الحرب الإرهابية المستعرة وسط مفاجأة الجميع ومنهم أعضاء مجلس الشعب عن الاستسلام والرضوخ لأسعار فوضوية لا تخضع لمعايير ولا تستند لإثباتات، والصمت المستمر لكرة الأسعار وسط استسلام وقلة أدوات الدفاع الناجمة عن تراكم سلبي للسياسات من أول الحرب ومن الذهاب لاقتصاد الحرب بكل أدواته وممارساته، ويعتبر بعض الأدوات التنفيذية الصمت عن سلبيتهم وسلبية الدور وتغاضيهم عما كلفوا به وترقيعات لتضليل السلبية هي صمت محدودية الإمكانات وتصوير الآليات المنفذة هي العلاج الصحيح.

وحتى لا نكون ضمن دائرة التشكيك نجيب من تساءل عن قلة خبرتنا وتحيزنا عندما نقول سعر الصرف وهمي: ما هي المتغيرات الاقتصادية الحاصلة ليرتفع السعر بحدود ألف ليرة خلال أسبوع؟ وما هي القدرة الفائقة والسرعة العجيبة لتناهي الأسعار مع هذا التغير فترتفع أضعافاً مضاعفة وسط رؤية كاملة لوزارة حماية المستهلك وتغاضي منقطع النظير وطلات إعلامية لضبوط سوء منتجات وغش، حتى نتيقن بأنهم يعملون بكل جهد ووسط استجابة منقطعة النظير لبعض الحرف والوسائل بتثبيت الأسعار ولكن على أساس سعر الصرف الوهمي، وهو ما لمسناه بأسعار الحلاقين والفنادق وأجور النقل وخاصة التكاسي، وما وجدناه من رفع سقف القروض العقارية والتجارية.

ويبقى السؤال: لماذا هناك نوايا لتكريس التضخم الظالم لكل من هو موظف ولمن وقف مع الليرة ولكل من صمد وصبر؟ ولصالح من رفع الأسعار وخاصة العقارات والإيجارات وغيرها؟!

ووسط ترقيعات السورية للتجارة التي لم نجدها تقوم بدور التدخل الإيجابي، ودوماً تدور تساؤلات عن المهام الملقاة عليها ودورها الواجب في ضبط الأسعار وقيادة السوق ومواجهة الاحتكار. وتستمر معاناة المواطن واللعب بقوته اليومي وزيادة الفقر والجوع مع استمرار الصبر والتحمل، ولكن هذا لا يعني الصمت ضد هؤلاء الذين يسيئوا للوطن وللشعب بجشعهم وتجاوزهم للقوانين ويقبلون ان يكونوا جسراً لتمرير التضخم وهذه السلوكيات لا تحل مشكلة ولا تخدرها وإنما تزيدها.

وفي وسط الأجواء الايجابية للملف ووسط اعتراف عالمي أممي بلا إنسانية الحصار والخناق الاقتصادي، قد يكون هناك تدفقات وتسهيلات ولكنها بحاجة لآليات جديدة، فما الفائدة منها في ظل فوضى الأسعار وسلبية عمل المؤسسات المسؤولة، إذاً نخن بحاجة إلى آليات جديدة تخفف عن المواطنين، وإلى شبكات حماية توصل الدعم لمستحقيه وبسهولة وبعيداً عن الفساد الذي عانينا منه سابقاً، إضافة إلى إصلاح القطاع العام والوصول إلى سعر وطني عادل.

ما نجده هو استراتيجيات مستقبلية النتائج، ولكن في ظل فوضى أسعار تصيب كل شيء من تكاليف الإنتاج لن يتغير شيء إلا بمضاعفة الإعانات وتوزيعها بشكل عادل، وهنا نصل للتساؤل التالي: ما دامت طبقة الموظفين والعاطلين عن العمل هم الأكثر حاجة فلماذا لا نجعل مسؤولية التوصيل للمنتجات عبر مؤسسات القطاع العام الإنتاجية والخدمية كوحدات مستقلة بديلاً عن الجمعيات والمؤسسات التي لم تكن أغلبها موفقة في الأداء، وانضمت لصناعة الطوابير، وكثير منها دخل مرحلة الفساد، أو تفعيل دور المنظمات للقيام بأدوار وأعمال مساعدة لتكريس الانفراجات.

وفي الختام نتساءل: لماذا التصريح العلني عن نقص توريدات البنزين والمازوت لشعب أغلبه مترقب، فوصلت طوابير الانتظار لعدة كيلو مترات ولأيام؟ ويتساءل مزارعو الساحل وحمص وغيرهم: من يعرقل الحصول على السماد للأراضي وكل صعوبة ينبثق عنها سوق سوداء؟

الحكومة تدعم الزراعة لبعض المحاصيل، وهناك من يلاقيها من جهات أخرى للعرقلة؟

فوضى الأسعار تكرس وهمية سعر صرف الدولار، ننتظر تصويب الإجراءات عبر اختيار الصائب من القرار.

ما دامت الأسعار للسلع وللمواد اللازمة لتكاليف الإنتاج مرتفعة فسنبقى في دوامة لا خروج منها.

 

العدد 1104 - 24/4/2024