اشتراكية أو بربرية؟
د. أحمد ديركي:
عندما نضجت الظروف وانفجرت الثورة البلشفية في روسيا، وكُتب لها النجاح على يد قائدها فلاديمير لينين، فإن الثورة ورجال الثورة كانوا يحملون فكراً مغايراً بشكل جذري لما هو قائم، ولا يسعون لاستبدال سلطة بسلطة شبيهة، بل نقيضة.
ثورة قامت على أسس الفكر الماركسي لتؤسس نظاماً بديلاً عن نمط الإنتاج السائد، نمط الإنتاج الرأسمالي. ثورة استطاعت أن تغير وجه التاريخ وتثبت أن الفكر الماركسي ليس بذاك الفكر الطوباوي كما يظن البعض. ورغم كل ما يمكن أن يقال عنها الآن من قبل مشوّهي فكرها وأعدائها، وبخاصة بعد تفكّك الاتحاد السوفيتي، لا يمكن أن تُنكر أو تُتجاهل تأثيراتها على الفكر العالمي برمته.
المسألة لا علاقة لها بالتنبؤ أو التبصير أو التطير، بل لها علاقة باتباع المنهج الماركسي – اللينيني بالقراءة لمعرفة مدى إمكانية قيام ثورة أو مدى نضج الظروف لنجاح ثورة، والأهم مدى إمكانية نجاة الثورة من الأعداء الداخليين والخارجيين لتصل إلى غايتها الأولى، وكيفية العمل للانتقال من مرحلة إلى أخرى من مراحل تمرحل الثورة لتصل إلى غايتها النهائية، مرحلة الشيوعية لتحرر الإنسان من قيود عبوديته.
كان لينين يعرف أن الثورة البلشفية لن يُكتب لها النجاح إن لم تمتد إلى بقية العالم، أي على الطبقة العاملة في كل أنحاء العالم أن تتحد لتناضل في سبيل تحررها من نير الاستعباد الرأسمالي، وقد تكون الشرارة الأولى لهذه الثورة العالمية تنطلق من أكثر البلدان تطوراً في حينها: بريطانيا أو ألمانيا. ولكن هذا لا يعني أن البلدان الأقل تطوراً تبقى ساكنة متفرجة على المشهد العالمي، بل عليها أيضاً القيام والمساهمة في عملية تحررها.
فقامت روزا لوكسمبورغ (1871 – 1919) بواجبها تجاه الثورة في المانيا، وعندما هددت فعلياً أركان النظام الألماني سحق جنوده جمجمتها، وهي ما تزال في عنفوان عطائها، وألقيت جثتها في النهر. رغم اغتيال النظام لروزا إلا أنه فشل في إلغاء تأثيرها واسمها من التاريخ. وهذه من عادات الأنظمة، فعندما تفشل في المواجهة تلجأ إلى الاغتيال.
ولم تكن روزا مجرد ثورية تحمل فكراً ثورياً تناضل من أجل تحقيقه، بل أضافت إلى الفكر الثوري من خلال كتاباتها العديدة. فقد شاركت منذ نعومة أظافرها في الحياة الثورة وانضمت إلى حزب الطبقة العاملة (Proletariat) البولندي، وكان في حينها حزباً سرّياً ممنوعاً من العمل، حزباً يعمل على تنظيم نقابات عمالية، وإضرابات ويعلم العمال على الماركسية. فعملت السلطة على اعتقال أعضائه، ونُفيت روزا.
في زيوريخ، سويسرا، أكملت دراستها وحازت على شهادة الدكتوراه بالقانون العام والعلوم السياسية ولم تتوقف عن الانخراط بالشبكات النضالية، وانخرط في الاممية الثانية. ومن ثم انتقلت إلى المانيا لتكمل حياتها النضالية فاغتالتها السلطة هناك. وكانت قد شاركت مع لينين في اقتراح مناهضة الحرب عام 1907، وإن اختلفت معه في مواقف فكرية أخرى.
وقبل أن تغتالها السلطة بأسبوع كتبت إلى رفيق لها تقول: (على الرغم من كل ما يجري، حقاً أودّ أن أموت وأنا في موقعي، قتال في الشارع أو السجن).
ما زال شعار روزا: (اشتراكية أو بربرية) الذي أطلقته خلال حياتها النضالية قائماً، وتثبته مجريات أحداث اليوم.