المطلوب أمريكياً.. تجميد الأوضاع .. المطلوب سورياً.. تحريك الأوضاع

كتب رئيس التحرير:

يقول وليم روباك (المبعوث الأمريكي السابق في شمال شرقي سورية) لصحيفة الشرق الأوسط: (الولايات المتحدة ليست في عجلة من أمرها في الوضع الراهن في سورية، وبالنسبة إلى أولوية الحفاظ على هزيمة داعش، وتوفير الأمن في شرق سورية، يمكن لأمريكا أن تحققها عبر الاستمرار في الوضع الراهن وما يسمى بـ(الجمود الممدّد) مع الحفاظ على الوجود العسكري، وهو استثمار كبير بتكلفة قليلة غير ضاغطة على واشنطن).

وهذا ما كنا قد أكدناه مراراً على صفحات (النور)، فالأمريكيون عرقلوا، سرّاً أو علناً، ومازالوا يمنعون، أيّ جهدٍ سلميّ لحلّ الأزمة السورية.

الدولة السورية مازالت قائمة رغم محاولات تهديم هياكلها المؤسسية عبر غزو إرهابي وحشي.

والجيش السوري، الذي عمل التحالف الدولي المعادي لسورية جاهداً وسعى لتحويله إلى (كتائب) مرهونة لأوامر هذا (الأمير) أو ذاك، في مزاد افتتحه المموّلون لإركاع سورية، هذا الجيش بقي جيش الوطن بأسره، جيش السوريين الذين واجهوا غزو الظلاميين وداعميهم، بصمودهم وتحمّلهم تبعات الغزو والقصف والتفجيرات، وباستمرار الوقوف خلف جيشهم الوطني إلى أن استعاد معظم الأرض السورية. أما تسليط سلاح الحصار والعقوبات بعد فشل الغزو العسكري، بهدف تحويل الدولة السورية إلى كيان فاشل، لا يحقق للشعب متطلبات معيشية واجتماعية أساسية، فقد دفع السوريون ثمناً غالياً جداً كي يفوّتوا هذه الفرصة على الأمريكيين، رغم إيمانهم أن معالجة تداعيات الحصار الأمريكي لم تكن بالشكل المطلوب، وأن جهوداً جدية ومخلصة ومواجهةً أكثر نضجاً واستجابةً أكثر مرونةً للضغوط الاقتصادية والعقوبات وأقل أذىً وتكلفةً، كانت ستوفر كثيراً من معاناة جماهير الشعب السوري.

تجميد الأوضاع أمريكياً، يعني اليوم استمرار الضغط العسكري والسياسي والاقتصادي، ويعني أيضاً استمرار استنزاف الموارد السورية التي باتت محدودة بعد عشر سنوات من الحرب والمواجهة، كما يعني مزيداً من استهداف ما تبقى من قطاعات منتجة في البلاد، ويعني تشجيع كلّ واهمٍ بنيل الحقوق عبر تقسيم البلاد، ويعني أخيراً دفع حلفائهم في الداخل إلى إحداث شرخٍ في الاصطفاف الوطني خلف الثوابت الوطنية، وفي السعي إلى تحقيق الطموحات السياسية والديمقراطية، وذلك بالتمترس خلف العشيرة والطائفة والمنطقة. والهدف النهائي هو إركاع الدولة السورية ودفعها إلى القبول بسيناريو (صفقة القرن) وبالتقسيم..

هذا ما تريده أمريكا اليوم.

أما ما نريده نحن السوريين الطامحين منذ عقود إلى سورية السيدة.. الموحدة.. المتجددة.. الديمقراطية.. العلمانية، التي تضم جميع السوريين، فهو تحريك الأوضاع، في ردّنا على محاولات تجميدها (أمريكياً).

نعم، نريد تحريك الأوضاع، لأن الجمود يحقّق ما تصبو إليه قوى التحالف المعادي لسورية وشعبها بزعامة الإمبريالية الأمريكية.

تحريك الأوضاع عسكرياً، وذلك بمتابعة ملاحقة بقايا الإرهابيين وحلفائهم، وردع أي محاولة لإعادة التصعيد العسكري في هذه المنطقة أو تلك، كما يحدث في المنطقة الجنوبية وفي الجيوب المتبقية في البادية، وكذلك في المنطقة الشرقية..

تحريك الأوضاع سياسياً، ببذل الجهود السياسية المخلصة لإنجاح جهود التسوية السلمية للأزمة السورية، بالاستناد إلى الثوابت الوطنية: السيادة، ووحدة الأرض والشعب، وحقوق وخيارات الشعب السوري الدستورية والسياسية والديمقراطية، وبذل الجهود المخلصة لتوحيد كلمة السوريين عبر حوار وطني شامل تشارك فيه جميع الأطياف السياسية الوطنية والاجتماعية والإثنية، للتوافق على إنهاء مآسي سورية والسوريين، وضمان حقوق الجميع ضمن سورية الديمقراطية.. العلمانية.

المطلوب اليوم التحريك في مواجهة تجميد الأوضاع، وقد يكون الاستحقاق الدستوري القادم مناسبة لإطلاق هذا (التحريك) على جميع الأصعدة، علماً أن أي تحريك يتطلب بدايةً، حتى يكون جدّياً وفاعلاً ومستمراً ومنتجاً: تخفيف معاناة جماهير الشعب السوري المعيشية، التي وصلت إلى مستويات مأسوية، وذلك لسبب طالما أوضحناه على صفحات (النور)، وهو استمرار الصمود السوري في مواجهة الاحتلال، واستمرار مقاومة محاولات (تأبيد) الأزمة السورية، هذا الصمود الذي يستند، حسب اعتقادنا، إلى استمرار مساندة شعبنا لجيشه الوطني في مرحلة هي الأخطر في التاريخ السوري المعاصر..

إلى التحريك.. إلى التحريك..

العدد 1104 - 24/4/2024