لا أقبل أن أكون إلا كما أنا.. فلا تُقارنّي بغيري!

وعد حسون نصر:

المقارنة بين فرد وآخر أضرار أكثر مما لها من فوائد، وخاصةً عندما يُسمع الأهل أطفالهم، وأبناءهم عموماً عبارات: (انظر ابن فلان أصبح مهماً وأنت ماذا صنعت؟ انظر لهذا كيف غيّر كل حياته، وأنت ما زلت تراوح في المكان!) وغيرها من العبارات التي تُضخّم في نفوس الأولاد شعور الغيرة منذ الصغر حتى دخول المدرسة والتخرج ودخول سوق العمل.

وتُعتبر الغيرة شعوراً إنسانياً طبيعياً، تدفع الفرد إلى مقارنة نفسه مع الآخرين، وإذا كان القليل منها يفيد الإنسان، ويُشكّل له دافعاً نحو العمل والإنجاز الأفضل، إلّا أن الكثير منها يُفسد الحياة، ويؤدي إلى أضرار بالغة، كالعدوان والمكيدة والرغبة في إفشال جهود الآخرين، وهي انفعال مركب، يجمع بين حب التملّك والشعور بالغضب نحو الآخرين الذين تمكّنوا من تحقيق أهدافهم التي لم يستطع الشخص الغيور تحقيقها، ممّا ينجم عنها أحياناً التشهير بالآخرين أو مضايقتهم أو السعي إلى تخريب أعمالهم وإنجازاتهم، وقد يُصاحبها مظاهر اللامبالاة، أو شدّة الحساسية أو الإحساس بالعجز، أو فقدان الدافعية للعمل أو النظرة القاتمة إلى الحياة، لذا نلاحظ اختلاف أسباب الغيرة تبعاً لطبيعة المرحلة العمرية التي يمر بها الشخص، وطبيعة الطرف الآخر الذي توجّه الغيرة نحوه، وتبعاً للبيئة التي تظهر فيها، سواء كانت بيئة أسرية أو بيئة عمل أو تعليمية، ومع ذلك فإن أشكال الغيرة تشترك في طبيعة التنشئة التربوية التي اكتسبها الشخص الغيور، من حيث عدم نضوج مشاعر حب الآخرين فيه وتقبّلهم، على حساب نمو سمات لا تخلو من الأنانية وحب الذات، والرغبة في لفت الانتباه وعدم إتاحة المجال للآخرين مقاسمتهم هذا الاهتمام والمحبة.

ومن أشكال الغيرة، الغيرة المهنية، إذ تُعتبر المنافسة في بيئة العمل أمراً طبيعياً، وانعكاساً لحاجة الإنسان في النمو والتفوّق على غيره، وتقديم الأفضل لما فيه مصلحته ومصلحة العمل والارتقاء به، فتقود المنافسة الشريفة إلى التطوير والإبداع في العمل دون محاولة هدم جهود الآخرين والتقليل منها. أما إذا أخذت المنافسة شكل الغيرة، فمن شأن ذلك أن يُضر بمصلحة العمل العامة، حتى أن الضرر ينعكس على الفرد نفسه، ويضعف الإبداع والارتقاء، لأن الغيرة تختلط بالرغبة في التقليل من قيمة أعمال الآخرين والسعي نحو إفشالها بشكل غير أخلاقي وضار بمصلحة العمل. وهناك الغيرة من الإخوة وهي أحياناً تولّد الكآبة عند الأخ الأكثر عرضة للمقارنة، وربما تدفعه ليؤذي أخاه. وكذلك الغيرة الزوجية، والغيرة بين الطلاب على مقاعد الدراسة وما ينجم عنها من منافسة وتطوير للذات، أو على العكس يمكن أن ينتج عنها إحباط وتصرفات عدوانية، كذلك الغيرة بين الجيران وخاصةً بما يخص المنزل والأثاث والملابس والطعام وغيرها، كل هذه الأشكال من الغيرة يمكن أن نتخلّص منها ونبعدها عن تفكيرنا ونحولها إلى طاقة إيجابية وسلوك سليم من خلال التصالح مع ذاتنا. ويجدر بنا أيضاً التّعلّم من تجارب الآخرين والاستفادة منها في تجاربنا لتعزيز ثقتنا بأنفسنا، وأننا لا نقلُّ بشيء عن غيرنا، وما علينا سوى تعزيز مهاراتنا والتركيز في أهدافنا وتوجيهها نحو الأفضل بما يتناسب مع طموحنا وشخصيتنا وعملنا، كذلك علينا أن نُذكّر دوماً أن حصول شخص ما على ما نتمناه نحن، لا يعني أننا لن نتمكّن من الوصول إلى هذا الأمر أيضاً، فالكون مليء بالوفرة في جميع المجالات، والفرص متاحة في كل مكان ومتجدّدة على الدوام، كلّ ما علينا فعله هو أن نسعى بجدّ إليها، لكن علينا أن نتأكّد من أننا لا نتبع خطوات الآخرين، وأننا لا نلاحق أحلام الغير وطموحاتهم، نُحدّد ما يعنيه النجاح والسعادة والوصول إلى الهدف بالنسبة لنا ونعلم أن هذه الأمور نسبية، ربما تكمن السعادة بالنسبة لنا في تكوين عائلة، أو ربما هي لشخص آخر الحصول على المال، ولشخص ثالث، هي السفر حول العالم وهكذا. فلنركّز على أهدافنا ودروبنا نحن، فكلّ دقيقة نقضيها في التفكير بنجاحات الآخرين هي دقيقة لم ننفقها في العمل على تحقيق نجاحنا، لذلك علينا أن نقارن أنفسنا بأنفسنا ولا نقارنها بأيّ أحد آخر، وأن نثق بأنفسنا فنسجّل نقاط قوتنا ونطوّر من ذواتنا دائماً، ويمكن أن نُرسل برسائل إيجابية لأنفسنا وأن نكلّمها دائماً عن إيجابيتها ليُخزّن هذا في اللاوعي لدينا، ممّا ينتج عنه طاقة وقوة بداخلنا، وبذلك نُحطّم أي شعور سلبي ونكسب بدلاً منه راحة وسعادة دائمة، هكذا نتجاوز الغيرة ولا نسمح بالمقارنة.

العدد 1102 - 03/4/2024