جنيف 5 .. بعد المراوحة في المكان.. ما العمل؟

كتب رئيس التحرير:

في ظل انقسام المعارضين في الخارج، وانسحاب بعض الداعمين الخليجيين، وهيمنة أردوغان على توجهات المفاوضين، لم نتوقع خرقاً لجمود المساعي السلمية لحل الأزمة السورية، التي تعد اجتماعات اللجنة الدستورية أبرز مظاهرها العلنية.

وهكذا فشلت الجولة الخامسة في جنيف، وكان تصريح بيدرسون مغرقاً في التشاؤم، وقد طالب القوى الفاعلة.. والداعمة.. والمتداخلة في الأزمة السورية، بضرورة التوافق والتفاهم على وضع سيناريو الحل السلمي.

بيدرسون لم يأتِ بجديد، فحتى الساعة لم تتوافق مصالح المتدخلين في أزمتنا المأسوية، وحتى الساعة مازالت الولايات المتحدة- كما أكدنا مراراً على صفحات النور- تعرقل أي محاولة لإنجاح حل سياسي يستند إلى الثوابت التي أقرتها القرارات والتفاهمات الدولية، والتي يأتي في مقدمتها سيادة سورية ووحدتها أرضاً وشعباً، ومازالت القوات الأمريكية تحتل الأرض السورية، ومازالت الإدارة الأمريكية تشجع وتدعم تقسيم سورية، كذلك تواصل القوات التركية استباحتها للمناطق السورية في شمال البلاد وشرقها، وتدعم بقايا المنظمات الإرهابية التي ترتكب المجازر بحق المواطنين السوريين كل يوم.

المطلوب أمريكياً اليوم زيادة الضغط على سورية أكثر فأكثر، خاصة بعد أن انعكس الحصار والعقوبات على الاقتصاد السوري، وعلى الأوضاع المعيشية للمواطنين انعكاساً مأساوياً، وفي الوقت ذاته التلويح بسيناريو (الخلاص)، المتمثل في اللحاق بقطار التطبيع مع الكيان الصهيوني، والموافقة على تقسيم البلاد تحت شعار الإدارات الذاتية.

وخلافاً لما تروجه الصحافة الأمريكية اليوم على لسان بعض المسؤولين السابقين في الإدارة الأمريكية، فإن إدارة بايدن الجديدة هي من أدارت حملات الدعم المنظمة للمنظمات الإرهابية، وشجعت الدول الأوربية على فرض الحصار والعقوبات، وهذه الإدارة، التي ساهمت في العدوان على سورية وشعبها في عهد أوباما، لن تسهم في أي حل سياسي لأزمة السوريين إلا وفق سيناريو (صفقة القرن) والتقسيم، وها هي ذي اليوم تغذي عن طريق أدواتها في الخارج والداخل توتير الأوضاع في المنطقة الشرقية والمنطقة الجنوبية، لزيادة الضغط على الحكومة السورية ودفع المواطنين السوريين الذين يعانون أوضاعاً معيشية مزرية، إلى الخوف والتمترس خلف الاصطفافات الطائفية والإثنية والمناطقية، تحسباً من عودة الأعمال العسكرية إلى تلك المناطق.

إن حصار قوات قسد لمدينة الحسكة، وتخريب عمليات المصالحة، وتحدي سلطة القانون، وتهديد أمن المواطنين في المنطقة الجنوبية والسويداء، لا يخدم إلا ما تسعى إليه الإدارة الأمريكية وحلفاؤها منذ بداية الأزمة وتحويلها إلى كانتونات.

هل أصبح الحل السياسي للأزمة السورية وفق الثوابت الوطنية التي تضمن سيادة البلاد ووحدتها أرضاً وشعباً في مهب الريح؟

هل على السوريين العودة إلى الخنادق والمتاريس والحرائق والمذابح والتهجير من جديد؟

من حيث المبدأ، وفي عالم الحوار، والحكمة، والسياسة، ليس هناك من معضلة تحلّها البندقية ولا يحلّها الحوار والتوافق، وتغليب مصلحة الوطن والشعب.

ونحن في الحزب الشيوعي السوري الموحد، أكدنا منذ بداية الأزمة، وفي وثائق مؤتمرنا الثالث عشر الذي عقد منذ عام ونيف، أن لا حل عسكرياً لأزمتنا الوطنية.. نحن مع الحوار، ومع الجهود السلمية، لكننا في المقابل لن نتخلى عن شبرٍ واحد من الأرض السورية، وكي نفرض الحوار المجدي على الآخرين، ونوجه رسالتنا إلى المجتمع الدولي، لا بدّ من تحقيق حزمة إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية ومعيشية تقنع الجميع أن سورية موحدة الإرادة، وأن شعبها لن يتنازل عن خياراته الدستورية والسياسية والاجتماعية.

لقد وعدت القيادة السياسية بحزمة من الإصلاحات منذ بداية الأزمة، ونحن نرى أن تحقيقها اليوم، إضافة إلى أنها ضرورية لتصليب الأوضاع في الداخل، تحقيقها يوجّه رسالة للخارج بأن سورية ماضية إلى رسم مستقبلها الديمقراطي.. العلماني، الذي يتسع لجميع السوريين بجميع أطيافهم ضمن سورية السيدة الموحدة.

استحقاقات هامة بانتظار بلادنا وشعبنا، فليكُن تصدّينا لها عبر إعلاء مصالح الوطن والشعب وتقديمها على أي مصالح أخرى.

الانتظار سيكرس وضعاً راهناً تعمل الإدارة الأمريكية وحلفاؤها على تحويله إلى أمر واقع، إضافة إلى زيادة معاناة جماهير الشعب السوري التي وصلت إلى درجة تنذر بالأسوأ.

فليكن الاستحقاق الدستوري القادم مناسبة للشروع بتحقيق طموح السوريين إلى وطن حر.. ديمقراطي.. موحد، يليق بتضحيات جيشنا الوطني وشعبنا المعطاء.

العدد 1104 - 24/4/2024