الزراعة والاقتصاد

د. عامر خربوطلي:

لا يمكن لأي اقتصاد أن ينمو ويزدهر دون قطاع زراعي بشقيه النباتي والحيواني (متطور وحديث وتنافسي)، وجميع تجارب الدول المتقدمة أثبتت عدم إهمال قطاع الزراعة على حساب تنامي قطاعي الصناعة والخدمات، وأصبح الأمن الغذائي اليوم لا يقل أهمية عن الأمن الوطني والاستراتيجي.

وسورية التي تصنف كبلد زراعي في المقام الأول ومن ثم صناعي وخدمي لا يمكن لها أن تنهض وتحقق انتعاشها الاقتصادي المطلوب، بعد أزمة قاسية مرّت عليها، دون إعادة الاعتبار لقطاع الزراعة ولكن بأسس جديدة وقوانين حديثة ومستلزمات متطورة.

إن تحويل العمل الزراعي لعمل منظم ضمن أساليب حديثة عبر تشجيع إنشاء الشركات أو صيغ المشاركات أصبح من أولويات دفع الاقتصاد السوري لمراحل أكثر خلقاً للقيم المضافة وأكثر تأميناً للأمن الغذائي.

ولعل في تجارب دول لا يشكل القطاع الزراعي أكثر من 5% من ناتجها القومي ومع ذلك هي الأولى في إنتاج وتصدير المنتجات الزراعية والحيوانية أكبر دليل على الكفاءة الإنتاجية.

وهنا تبرز الترابطات الأمامية والخلفية الهائلة التي يخلقها قطاع الزراعة سواءً على صعيد المواد والمستلزمات أو على صعيد المنتجات الغذائية والصناعات التحويلية والخدمات المرافقة.

والزراعة في سورية قديمة قدم تاريخها وكانت يوماً ما مخزن قمح الإمبراطورية الرومانية، فهل تناقصت الأرض وقلت الغلة لنكتشف في وقتنا الحالي ضعف هذا القطاع وعدم قدرته على تلبية متطلبات الأمن الغذائي؟!

جميع الدراسات تشير إلى قدرة القطاع الزراعي فيما لو تم إعادة تأهيله على أسس حديثة وتشريعات متطورة وموارد بشرية مؤهلة ليصبح قاطرة النمو الرئيسية والمساهمة في رفد الصناعة الغذائية وتأمين منتج تصديري منافس.

تَعرض القطاع الزراعي السوري لأضرار بالغة خلال فترة الأزمة التي مرّت بها سورية منذ عام 2011 وأدت هجرة السكان الزراعيين وتقطع أوصال الطرق العامة لصعوبات عديدة انعكست على الإنتاج والإنتاجية، وسجل الميزان الزراعي السلعي عجزاً غير مسبوق، وانسحب ذلك على المواد الزراعية الغذائية والحيوانية والمحاصيل الصناعية الرئيسية، وأصبحت سورية لأول مرة في تاريخها مستوردة لمواد زراعية أساسية في مقدمتها القمح بعدما كانت مصدرة لها.

اليوم ومع دخول الاقتصاد السوري مرحلة بداية الانتعاش بدأ القطاع الزراعي في التطور من جديد، ولابد أن يكون هذا النهوض ضمن أسس جديدة تأخذ باعتبارها اقتصاديات الزراعة وتربية الحيوانات والميزات النسبية والتنافسية لكل منطقة جغرافية زراعية، بالإضافة لتعزيز الترابط الزراعي /الصناعي/التجاري لخلق حلقة ناجحة من الأعمال الاستثمارية الحديثة والمعتمدة على شركات الاستثمار الزراعي وتأمين مستلزمات العمل الصناعي والتصديري.

وجميع التقارير تشير إلى قدرة التعافي الكبيرة للقطاع الزراعي وخلق قيم مضافة عالية تصب في مصلحة الناتج المحلي الإجمالي.

ولا يمكن أن تكتمل سلسلة الإنتاج الزراعي أو الصناعي المرتبط بالمواد الأولية الزراعية دون أن تصل إلى الحد الأقصى المطلوب لخلق القيم المضافة الأكبر والمتمثلة في تصدير المنتجات النهائية على شكل منتجات الصناعة الغذائية والزراعية وهي تشكل جوهر العملية الاقتصادية في سورية (التصدير رهان المستقبل) وخلق منتج تصديري تنافسي يحتاج لجهود أطراف العمل الثلاثة (الحكومية- أصحاب الأعمال- العمال والمزارعين).

ولطالما وصف القطاع الخاص السوري على مرّ الزمن بكونه قطاعاً أهلياً وعائلياً تستحوذ المشروعات متناهية الصغر والصغيرة على أكثريته وهي ليست نقيصة إذا استطعنا دعم هذه المشروعات وتأمين سبل نجاحها كونها تتماشى مع بيئة المجتمع السوري.

ولعل تحويل المشروعات الأسرية الصغيرة الزراعية منها أو الصناعية إلى مجمعات متكاملة من العناقيد يعتبر جوهر النجاح لهذه المشروعات وتحسين تنافسيتها وبخاصة إذا تم ربطها بشركات تسويق حديثة ومتطورة.

العدد 1102 - 03/4/2024