وطنية أم لا؟

د. أحمد ديركي:

يحتدم الصراع في العالم برمته، وإن كانت بعض دوله تعيش في حال من (السلم) المؤقت. فالصراع (تارة مستتر وتارة ظاهر) (البيان الشيوعي، ص 50) فيظن عند كمون الصراع في هذا البلد أو ذاك أن البلد يعيش في حال من (السلم)، وعند ظهوره على السطح يقال إن هذا البلد يعيش في حال من حالات النزاع.

مر تاريخ أوروبا الحديث (المقصود بكلمة حديث هنا منذ تشكل نمط الإنتاج الرأسمالي ولغاية الآن) بعدة مراحل من مراحل الصراع المستتر والظاهر ومن ثم مستتر، وكذلك الأمر بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية. أما بالنسبة لعالمنا العربي فمازال منذ تشكله وتشكل دوله، بالمفهوم الحديث، في معظم مراحله التاريخية، يعيش صراعاً ظاهراً!

يمكن القول إن هذا الصراع الظاهر، الذي يعيشه العالم العربي، يعود في جوهره إلى نمطين من الصراعات:

1) صراع مع الإمبريالية، بكل صيغها المتعددة.

2) صراع طبقي داخلي.

وعلى الرغم من تشابك الصراعين إلا أنه يمكن إلى حد ما العمل على فصلهما (نظرياً)، لفك طلامسهما ولمعرفة كيفية مقاربتهما ومدى الارتباط بينهما!

واحدة من العقد الإشكالية، التي ما زالت قائمة حتى تاريخه، وما زالت الأحزاب الشيوعية في العالم العربي تحاول، ويبدو أن محاولاتها توقفت، مقاربتها اعتماداً على أسسها الفكرية هي إشكالية (البرجوازية) في العالم العربي وموقفها من الصراع الطبقي على المستوى الداخلي وموقفها من الإمبريالية.

هنا دخلت معظم الأحزاب الشيوعية في العالم العربي في تخبط تحديد الموقف من البرجوازية. أهي وطنية أم لا؟ وما زاد الأمر ويزيده تعقيداً مسألة (الاحتلال المباشر) في حينها، وتغير صيغة (الاحتلال) من مباشر إلى غير مباشر!

لأن الأحزاب الشيوعية من أسس فكرها (التحرير والتغيير)، وكانت البرجوازية ضد المحتل الفرنسي والبريطاني، في حينه، مع العديد من التفاوتات في مواقفها، فجزء منها كان داعماً للمحتل وجزء منها ضده، ما دفع العديد من مفكري الأحزاب الشيوعية إلى وضع مصطلح تصنيفي للبرجوازية وهو (البرجوازية الوطنية)!

هنا كمنت الإشكالية: كيف للبرجوازية أن تكون وطنية، وتكون في الوقت عينه العدو الطبقي للطبقة العاملة وحزبها الطليعي الحزب الشيوعي؟

كانت بعض المبررات المتوهمة أنه لعدم وجود طبقة عاملة في العالم العربي، وما يمكن إضافته إلى هذه التوهمات الفكرية المشوهة، يمكن القول إن البرجوازية (وطنية)! تناسى أصحاب هذا الوهم التنظيري أن البرجوازية تعني (طبقة الرأسماليين المعاصرين مالكي وسائل الإنتاج الاجتماعي الذين يستخدمون العمل المأجور) (البيان الشيوعي، ص 49) وتعني الطبقة العاملة، البروليتاريا (طبقة العمال الأجراء المعاصرين الذين لا يملكون أية وسائل إنتاج، فيضطرون بالتالي إلى بيع قوة عملهم لكي يعيشوا) (البيان الشيوعي، ص 49). وبهذا فإن على من ينفي وجود طبقة عاملة أن ينفي، في الوقت عينه، وجود طبقة برجوازية في العالم العربي، إلا إذا كان متوهماً بإمكانية وجود طبقة منهما دون الأخرى.

وبهذا التوهم ما من حاجة إلى مواجهة الإمبريالية لأنها تنتفي بانتفاء إحدى الطبقتين، ويكون الصراع حينئذٍ أيضاً وهماً بوهم، لأن الصراع في جوهره، في الفكر الماركسي، صراع طبقي (إن تاريخ كل مجتمع إلى يومنا لم يكن سوى تاريخ نضال بين الطبقات) (البيان الشيوعي، ص. 49). ويمكن وصف صراع أصحاب هذه النظرية المتوهمة كصراع الدونكيشوتية.

رحل (المستعمر المباشر) بصيغته المباشرة، من الانتداب إلى غيره من الصيغ العسكرية المباشرة، وتشكلت الدول والانظمة السياسية في العالم العربي و…، وما زالت البرجوازية (وطنية)!

حالياً يشهد العالم العربي صيغة قديمة – متجددة من الصراع مع الإمبريالية، والبرجوازية (الوطنية)! فعادت نغمة البرجوازية (الوطنية) إلى الظهور مجدداً! وهنا يمكن العودة إلى البداية، لندخل في الإشكالية عينها من جديد. هل البرجوازية (الوطنية) تقاتل الامبريالية في صيغتها القديمة – المتجددة من أجل التحرير والتغيير؟ أم لتضارب مصالحها مع الصيغة القديمة – المتجددة؟ أم لبناء وطن حر وشعب سعيد؟

ألم يحن الوقت للأحزاب الشيوعية كي تحسم موقفها من إشكالية البرجوازية (الوطنية) لتحدد بوصلة نضالها وتحقق هدفها المنشود؟             

العدد 1102 - 03/4/2024