الاشتراكية بالخصائص الصينية
د. حسيب شماس:
يقدم الباحثون والمسؤولون الصينيون الاشتراكية الصينية، في إطار المقارنة مع أنظمة سياسية سابقة (داخل الصين) كان من نتيجتها تخلّف الصين عن ركب الحضارة والتطور، وهي الدولة التي تملك حضارة عريقة تمتد في القدم 5000 سنة، وقبل أكثر من 2000 عام، أسّس كونفوشيوس الفيلسوف الصيني ومفكرون آخرون، منظومة فكرية عظيمة. للشعب الصيني عالمه الروحي المتميز، وانتماؤه القومي الذي يتمثل بالوطنية.
قبل الثورة الصناعية في أوربا كانت الصين بلداً متطوراً، لكن الأسرة الحاكمة في ذلك الحين أغلقت حدود البلد، وانكمشت الصين على نفسها ، وهذا ما أدى إلى وقوعها أسيرة للجهل والفقر والتخلف، وبسبب ضعفها أصبحت مطمعاً للقوى الاستعمارية البعيدة والقريبة. لذلك ثار الشعب الصيني على هذا الواقع المفروض عليه. جربوا عدة أنظمة اجتماعية بعدما أسقطوا النظام الإقطاعي: الملكي الدستوري، البرلماني متعدد الأحزاب، الرئاسي. وجميع هذه المحاولات فشلت لعدم تمكنها من تحقيق طموحات الشعب الصيني للعيش بكرامة، فكان طريق الاشتراكية المتوافق مع ظروف دولة الصين هو الخيار الأنسب.
الصين هي أكبر دولة نامية في العالم، وقد قطعت شوطاً واسعاً في مجال التنمية، وأصبح لديها ثاني أهم اقتصاد في العالم، ورغم ضخامة الحجم الاقتصادي لكنه مقارنة بعدد السكان يبقيه في المرتبة الـ70 عالمياً بالنسبة لنصيب الفرد من الناتج المحلي سنوياً، الذي وصل إلى 9000 دولار أمريكي، وكان قبل 35 عاماً يعادل 30 دولاراً فقط.
الصين دولة ذات ظروف معقدة جداً من حيث عدد السكان الذي يبلغ ملياراً وأربعمئة مليون نسمة، الأكبر في العالم، أو من حيث حجم المساحة واتساع حدودها البرية والبحرية. تمتد على مساحة 6.9 ملايين كيلومتر مربع، وهي الثالثة على مستوى العالم بعد روسيا وكندا. تحدها برياً 14 دولة وبحرياً 6 دول وتضم 22 مقاطعة (23 بعد إضافة تايوان)، لديها 5 أقاليم ذات حكم ذاتي.
وهي دولة متعددة القوميات ففيها 56 قومية، أكبرها قومية هان التي تشكل 91% من الشعب الصيني وتسمى بقومية مندرين، وما بقي من 55 قومية تشكّل 8.5%، توجد أقليات عددها 100 مليون، أربع قوميات عدد أبنائها أكثر من 10 ملايين، 14 قومية عددها أكثر من مليون. جميعها تتعايش فيما بينها تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني الذي استطاع أن يصهر جميع هذه القوميات والأقليات في وحدة وطنية هدفها النهوض بالصين لتأخذ مكانها الطبيعي بين دول العالم القوية.
في الصين 657 مدينة، ثلاثون منها عدد سكانها أكثر من عشرة ملايين، 13 مدينة يبلغ تعداد سكانها أكثر من 12 مليوناً. تعداد العاصمة بكين 22 مليون، تسبقها مدينة جون تينغ التي تعد 30 مليون نسمة.
عدد ركاب الميترو يومياً في بكين عشرة ملايين، في شنغهاي تسعة ملايين، أية مشكلة صغيرة في الميترو تسبب كارثة، يعاني المسؤولون ضغوطاً كبيرة، إدارة مدينة مثل بكين صعبة، أما إدارة الصين فهي أصعب. دولة متعددة الأديان، عدد المتدينين 100 مليون، بينهم 22 مليون مسلم.
الصين دولة واحدة بنظامين، في البر الصيني نظام اشتراكي، أما في هونغ كونغ ومكاو فالنظام رأسمالي، استعادت الصين سيادتها عليهما، وتسعى للانتقال السلس والمحافظة على التطور. الشرط الأول هو دولة واحدة، وهذا يتعلق بالسيادة. الحكم الذاتي مهم لكن الدولة الواحدة في المرتبة الأولى.
تتشكل الأجهزة السيادية للدولة من ست مؤسسات، لكل منها وظائفها الخاصة وهي:
• السلطة التشريعية وتتشكل من المجلس الوطني لنواب الشعب (البرلمان).
• السلطة التنفيذية: رئيس الجمهورية
• مجلس الدولة: الحكومة
• السلطة القضائية وتتشكل من المحكمة الشعبية العليا والهيئات المتفرعة عنها على مستوى المحافظات والمدن.
• النيابة العامة الشعبية العليا، التي تعتبر أعلى سلطة رقابة في الدولة.
• اللجنة العسكرية المركزية.
أما التقسيم الإداري في الصين فيتشكل من: المركز حيث الحكومة المركزية، المقاطعة، المدينة، المحافظة ثم البلدة. وهناك خمس مناطق تتمتع بحكم ذاتي يراعي الاعتبارات القومية لبعض الأقليات. أربع بلديات مركزية هي : بكين، تشونغتشينغ، شنغهاي وتيانجين، ومنطقتان إداريتان تتمتعان بمزايا خاصة وهما هونغ كونغ ومكاو.
إدارة دولة مثل الصين وتحقيق التنمية فيها ليست مهمة سهلة. يفتخرون بإنجازاتهم ويعتقدون أن أمامهم تحديات كبيرة. عندما يقسمون الإنجازات على عدد السكان يرونها صغيرة. فيما عندما يضربون عدد المشاكل الصغيرة بعدد السكان، تصبح مشاكل كبيرة.
الحزب الشيوعي الصيني
هو الحزب الأكبر على مستوى العالم. تأسس في 1/7/1921. وعقد مؤتمره الأول في ذلك التاريخ في مدينة شنغهاي بحضور 12 مندوباً يمثلون 50 عضواً في الحزب. كما حضر المؤتمر عضوان يمثلان الأممية الشيوعية. ولا يزال موقع انعقاد المؤتمر الأول التأسيسي كموقع تذكاري في المدينة القديمة. يعقد الحزب مؤتمراته كل خمس سنوات، عقد مؤتمره الأخير التاسع عشر في أواخر عام 2017.
بلغ عدد أعضائه عام 2016 نحو 88 مليوناً و750 ألف عضو. الحاصلون منهم على التعليم العالي 44%، نسبة النساء 25%، القبول في العضوية ليس عن طريق التسجيل فقط، هناك إجراءات صارمة ومعقدة، يؤكدون من خلال السيطرة على حجم العضوية، للحصول على الكفاءة والجودة في الكادر الجديد. عدد المتقدمين للعضوية في عام 2015 بلغ 22 مليوناً، قُبل منهم مليونان فقط، وهذا يعد تراجعاً عن العام السابق بنسبة 10%، نسبة الشباب 82%، والنساء 40%.
عدد المنظمات القاعدية أربعة ملايين و410 آلاف منظمة، منها مليونان و110 آلاف منظمة حزبية تعمل في المؤسسات العامة، ومليون و600 ألف منظمة في المؤسسات الخاصة. التي باتت تشكل 51% من مؤسسات البلاد.
عدد أفراد أعضاء الحزب في الجيش يزيد على مليوني عضو.
عدد أعضاء اللجنة المركزية 205 منهم 10 نساء، إضافة إلى 171 مرشح احتياط. أما عدد أعضاء المكتب السياسي فهو 25 من بينهم امرأتان خارج الكوتا.
الهيئات القيادية في الحزب هي: المؤتمر الوطني، اللجنة المركزية، الأمين العام للجنة المركزية (رئيس الدولة)، المكتب السياسي ولجنته الدائمة، اللجنة العسكرية المركزية، ولجنة فحص الانضباط.
دفع الاشتراكات الشهرية هو واجب على كل عضو حزبي، ويبلغ الاشتراك الشهري نحو 8% من الراتب، ومن لا يسدد اشتراكه لأسباب غير مبررة تتم إقالته.
النقابات والمنظمات الشعبية، جميعها تحت قيادة الحزب وإشرافه.
يعمل الحزب على تثبيت المثُل كأولوية في تنظيم الحياة السياسية. الماركسية والاشتراكية والشيوعية الهدف الأول والنهائي. التمسك بالنظرية الاشتراكية والثقافة الاشتراكية، على الكوادر القيادية أن تُشعر كوادر الحزب بقوة النظرية الاشتراكية.
رفعوا شعار: تعزيز قدرة الحزب على التنقية الذاتية والارتقاء الذاتي، رفع مستوى الحزب في القيادة والحكم، حماية مرجعية اللجنة المركزية، تعزيز الوحدة والتضامن، الحفاظ على طليعة الحزب ونقاوته. على أعضاء القيادة المركزية – المكتب السياسي، الأعضاء الدائمين في المكتب السياسي أن يلعبوا دوراً نموذجياً في الانضباط الحزبي.
ضرورة الانضباط الحزبي الحديدي، يمنع على المنظمات الحزبية الخروج عن النظام الداخلي، يكافحون التحريف والنفاق والتملق. يدعون للحفاظ على التلاحم بين الحزب وجماهير الشعب. من خلال خدمة الشعب من القلب والابتعاد عن التسلط والتكبر أمام الجماهير وتجاهل معاناتها، يعارضون نزعات المتعة والأوليغارشية، يتمسكون بالمركزية الديمقراطية في اتخاذ القرارات ومراقبة تنفيذها.
هناك ثمانية أحزاب ديمقراطية موجودة في الصين (تشكلت في أربعينيات القرن الماضي)، حالياً تشارك في الحكم والدولة ويصل بعض أعضائها إلى مناصب رفيعة مثل نائب رئيس برلمان أو نائب وزير.
أولى الحزب الشيوعي الصيني أهمية خاصة لإعداد الكادر الحزبي وتأهيله بهدف تمكينه من تولي المناصب العليا على مستوى الحزب والدولة. ولديهم أكاديمية في شنغهاي لهذا الغرض تعرف بأكاديمية بو دونغ. يعتبر الرفاق الصينيون أن هذا الصرح هو واحد من أسرار نجاح عمل الحزب، المنتسبون إليها يجب أن يكونوا من مرتبة مدير فما فوق، يتم اختيارهم وفقاً لترشيحات تقدم من هيئات الحزب المختلفة وبإشراف مباشر من دائرة التنظيم في اللجنة المركزية التي هي من تحدد الأعداد كل عام وحصة المناطق والمنظمات الحزبية، بالاستناد إلى نوعين من العضوية: أساسية ومرشحة. ويمكن أيضاً قبول المتفوقين من المؤسسات الخاصة، إضافةً إلى رجال الأعمال من خارج الأطر الحزبية. رئيس الأكاديمية عضو في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، ونائبه هو عمدة شنغهاي. يتقدم للمعهد سنوياً عشرة آلاف طالب وتتراوح مدة التدريب من أسبوع إلى شهرين. كما يستعين المركز بمحاضرين من خارج الأكاديمية ومن مختلف الاختصاصات بنسبة 10% كما يستعينون حسب الضرورة بمحاضرين أجانب. تعتبر الموافقة على الانتساب إلى الأكاديمية شرطاً ضرورياً لتقلد المهمات العليا على مستوى الدولة والحزب.
تتوزع عناوين المواد التي تقدم في الأكاديمية ضمن ثلاثة محاور:
• 1_ قضايا الحزب (الأوضاع التنظيمية ودستور الحزب).
• 2_ القضايا النظرية (الماركسية، أفكار ماو تسي تونغ، نظرية دنغ شياو بينغ وغيرها).
• 3_ قضايا إدارة عمليات القيادة (أي قضايا التخصص العلمي_ سياسة الإصلاح والانفتاح).
يؤكد الحزب أهمية التدريب، وقد أنشأ العديد من الأكاديميات لتدريب الكوادر في مختلف المناطق. يركّزون على أهمية الانضباط، ولديهم قوانين واضحة وقاسية لمعاقبة المخالفين، أشدّها إزالة العضوية. لديهم منظومة للمراقبة والمساءلة من خلال لجنة فحص الانضباط، ونظام الفحص المتجول.