إنه زمن الأولويات
كتب رئيس التحرير:
صحيح أنه حتى في أيام الرخاء والسلم تبرز أهمية اللجوء إلى الأولويات، لكن في الزمن الصعب، وفي المنعطفات الكبرى، يصبح اعتماد مبدأ الأولويات مساوياً لطموحات النصر.. بل شرطاً رئيسياً للوصول إليه.
في المرحلة التي تواجه بلادنا اليوم، تبرز الوقائع التالية:
1-استمرار وجود الإرهابيين على الأرض السورية، ولو كان ذلك في بؤر محدودة، واحتلال أمريكي صهيوني تركي للأرض السورية.
2-اشتداد الضغوط السياسية والاقتصادية على سورية بهدف تحقيق ما عجز عن تحقيقه الغزو الإرهابي، وليس آخرها قانون (قيصر).
3-عرقلة الأمريكيين، وأردوغان وأمراء الحرب والمنتفعين منها، لجميع الجهود الدولية السلمية لحل الأزمة السورية.
4-تدهور غير محتمل للأوضاع المعيشية للمواطنين السوريين، يقترب من مستويات الكوارث الإنسانية، خاصة بعد الارتفاع الجنوني لأسعار جميع السلع والأدوية، وزيادة الإصابات بفيروس (كوفيد19)، وارتفاع نسب البطالة والفقر إلى مستويات قياسية.
5- تراجع غير مسبوق لدور الحكومة في إدارة الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وذلك بسبب تراجع إيراداتها المالية، وأيضاً لسبب آخر ربما كان المرجح، هو التوجه نحو إلغاء الدور الرعائي للدولة، والتوجه نحو اقتصاد السوق، وهو توجه كان يداعب خيالات الكثيرين قبل بداية سنوات الجمر.
إن النجاح في مواجهة هذه المرحلة الصعبة، يتطلب العديد من الإجراءات على الصعيدين السياسي والاقتصادي، لكن تنفيذها كحزمة متكاملة غير متاح نظراً للظروف الراهنة، لذلك يتطلب الأمر اللجوء إلى مبدأ الأولويات، وتأجيل ما يمكن تأجيله إلى ما بعد الخروج من هذه المرحلة المعقدة، ونحن نرى التركيز على الأولويات التالية:
أولاً_ متابعة الجهود لإنجاح الحل السياسي للأزمة السورية، المستند إلى الثوابت الوطنية التي تؤكد مكافحة الإرهاب، والسيادة، وخروج جميع المحتلين من الأرض السورية، ووحدة الشعب والأرض وحقوق المواطنين الدستورية والسياسية، سواء تم ذلك بالاعتماد على القرار الأممي 2254، أو أيّ تفاهم دولي آخر يضمن الحفاظ على ثوابتنا الوطنية، فالأمريكيون وأردوغان يعملون اليوم على إطالة أمد الحرب بهدف استنزاف قدرات الدولة السورية، وفي الوقت ذاته تبقى أصابع جنود جيشنا الباسل على الزناد تحسباً لأي تصعيد إرهابي أمريكي تركي.
ثانياً_ اقتصار الجهود الحكومية في هذه المرحلة على دعم المواطنين السوريين، لضمان استمرار صمودهم في مواجهة الضغوط السياسية والاقتصادية، وتأجيل جميع خطط الحكومة في المجالات الأخرى، خاصة تلك التي تحمل صفة الإنشاء والتحديث والتطوير والتجميل، مثل مناطق التطوير العمراني التي تطرحها الحكومة في زمن ينتظر المهجرون فيه العودة إلى بيوتهم بعد تهجير قسري دام سنوات طويلة.
وهذا يعني من الناحية العملية زيادة الأجور، ومساعدة الفئات الفقيرة والمتوسطة في تأمين مستلزمات الغذاء، والدواء.. والدفء، عن طريق زيادة الدعم الحكومي لهذه المواد، وتوزيعها عن طريق أدواتها التسويقية (السورية للتجارة) بأسعار تتناسب مع مداخيل هذه الفئات، ومتابعة فتح ملفات الفساد والتجاوزات وسرقة المال العام، واسترداد الأموال المنهوبة، ومساعدة المهجرين في العودة إلى بيوتهم، واتخاذ التدابير الوقائية لمنع انتشار (كوفيد19) بجدية بالغة، ولو تطلب الأمر العودة إلى إغلاق الفعاليات غير الضرورية حالياً، والتنسيق مع هيئات المجتمع المدني لاستمرار توزيع السلل الغذائية على العائلات المحتاجة، وتدخل الحكومة في تحديد الأسعار لجميع المنتجات الوطنية والمستوردة، ومساعدة المنتجين الوطنيين في الحصول على مستلزمات الإنتاج، وعقد الاتفاقات مع الدول الصديقة لتأمين استيراد المواد الضرورية لحياة المواطنين السوريين، بعد محاولات التحالف الدولي المعادي لسورية الرامية إلى تجويع الشعب السوري.
هذه هي الأولويات التي نرى التركيز عليها اليوم، لمواجهة الاستحقاقات القادمة، نضعها أمام الجميع، وهي تشكل كلاً ينبغي عدم التفريط بجزء منه.
إننا في الحزب الشيوعي السوري الموحد، كنا في الماضي.. وما زلنا وسنبقى أعداء اليأس والتشاؤم.. ونثق بقدرات شعبنا وتضحيات أبنائه، لكننا وفي الوقت ذاته ننبّه إلى أن النصر السوري يتطلب جهوداً وطنية مخلصة.. ودؤوبة.. تبذلها القيادات السياسية، والحزبية والحكومية، في ظروف صعبة ومعقدة، لا ترحم التراخي.. واللامبالاة.. والإهمال.
معاً.. من أجل نصر سورية النهائي على الإرهاب.. والاحتلال.. والحصار.. والحرب.. والفقر.. والفساد.. ومن أجل مستقبل ديمقراطي علماني يضم جميع السوريين.