انثروا الحب لنسمو فيه فنتخلّص من الاغتصاب

وعد حسون نصر:

في الآونة الأخيرة وتحت عدّة مسميات، انتشرت في الدول المجاورة (لبنان والأردن) وخاصةً المخيمات التي تتجمّع فيها شريحة فقيرة من الناس، خليط كانت أغلبيته من السوريين بشكل عام، وكذلك في المجتمع المحلي السوري بشكل خاص، ظاهرة الاغتصاب، التي للأسف كان ضحيتها أطفال، والحصّة الأكبر كانت للذكور.

لعلَّ أسباباً كثيرة اجتمعت لتُشجّع على هذه الظاهرة الوحشية، منها الفساد الكبير المنتشر بين الناس على كل الأصعدة، في الحياة الاجتماعية بين أفراد المجتمع وفي بعض المؤسسات وخاصة التربوية والتعليمية، ومنها الفقر، وهل من علّة أشدُّ ضراوة وأقوى من سلاح الفقر، فالفقر الفتّاك سلاح ذو حدين سامّين يعبث بالمجتمع بكل ما يحمله من حقد، وكأنه يريد أن ينتقم لذاته من أجسادنا، من أحلامنا، من غذائنا، من أقلام التلوين بين أيدي أولادنا، من كل جميل يلوح في عالمنا.

تفاقم الجهل وخاصةً لأجيال ترعرعت خلال سنوات حربنا الطاحنة خارج مقاعد الدراسة، خارج النقاط والحروف، خارج الملاحم والروايات، لا تبصر النور، فقد حُكِمَ عليها أن تعصب عينيها بكيس القمامة ذي الرائحة النتنة، لأنه عملها اليومي، منه تقتني عبوات رماها الغير لتكون وسيلة بقاء لهؤلاء الأطفال وعائلاتهم، فثمن بقائهم مرهون بكمية محتوى الكيس المُتعفّن الذي غيّبهم وفصلهم عن العالم الجميل، وإن أبعدنا الكيس بركلة قوية تزلزل الذلُّ أمامهم، فهل ينجون من عبثية المحيط المفعم بالجهل؟؟ هل يهربون من رائحة لاصق (الشعلة) وحبوب المُخدّر وسجائر الحشيش التي باتت تجد ملاذها بين أيدي أطفال فرض الطريق عليهم أبشع عاداته، فزاد ضياعهم ضياعاً، فلا يمكن للبازلت أن يحتضنهم ويكون دافئ اليدين إلاّ عندما تغطيه الشمس، وهنا يزداد قسوة، وحرارته تصبح نار جهنم عليهم، كما لا يمكن للسماء أن تكون غطاءً لهم فالأفق يرفض النزول للأرض وإن خيّمت عليهم السماء لا يمكن أن ترحمهم طقوسها.

بعد كل هذا العبث وخاصةً أننا في زمن الحرمان والانفتاح الخطأ على وسائل التواصل الاجتماعي، وإن كان البعض يظنُّ أنه حمى أولاده من الشارع وربّاهم بين يديه وتحت سقف الحب، وأبعدهم عن كل شذوذ الطريق، فهل يا تُرى حماهم من الجوال المزروع في أيديهم على مدار الوقت؟؟ هل حماهم من ألعاب العنف والأفلام الإباحية المزروعة خلف شاشة الجوال؟

كذلك التلفاز ومحطّاته المُخصّصة للأطفال واليافعين، فالكثير من برامجه تُعلّم العنف، السرقة، تعلم الأذى تحت ذريعة التسلية.. وهي مبنية على عادات ومقالب تعيث بفكر الطفل ليُصبح مُقلّداً وأداة تنفيذ لكل ما يشاهد، ومن المعروف أن الطفل أكبر وأمهر مُقلّد لما حوله.

الكبت الجنسي وخاصةً عند المراهقين وحتّى الشباب، والكهول من الجنسين تجعلهم راغبين بتفريغ شحنة العاطفة المبنية على اللذّة الجنسية فقط بمجرد أن تسمح لهم الفرصة، وهنا يصبح الأمر أشبه بغريزة حيوان مفترس جائع وقع على ضحيته ينهشها لشدّة جوعه، فلم يعد يُميّز الضلع من الرقبة من الفخذ، لأن جوعه جعل همّه التهام كل شيء حتى وإن كانت فريسته مازالت تحبو لا تعرف كيف تعدو!!

أسباب كثير عاثت بالمجتمع فساداً وتشتّتاً وتفكّكاً وضياعاً، جعلت أطفالنا، سواء من سكن الشارع بفعل الحرب والتهجير والجهل وفقدان أسرته، أو من قبع تحت سقف وبين ذراعي والديه، عرضةً للاستباحة والاعتداء اللفظي والجسدي المعنوي، فنحن لم نخرج من حربنا بعد، وما دمّرته خلال سنوات طويلة لا يمكن أن يستقيم بسنة واحدة، خاصةً أننا نعاني نقصاً في كل المقوّمات بسبب الفقر والفساد الكبير الذي طال كل الشرائح.

 فما علينا هذه الفترة إلاّ أن ننطلق من أنفسنا، نُصلح أعمدة البيت من الأساس، نُصلح نفوسنا وبعدها نرشّ بذور الخير في نفوس أطفالنا، نرويها حباً وعلماً وثقافة وترتيباً للوقت، مع تنظيم للهو، كل هذا يبدأ من البيت ويخرج  للمجتمع بشكل أوسع، ولابدّ هنا أن تتّسع الحلقة ويلعب المجتمع المدني والتربوي دوره في حماية أطفالنا وتوعيتهم واحتواء من لا يملك سكناً ووسادة يلقي رأسه عليها، كما لابدّ أن تنهض الدولة بمؤسساتها التربوية والاجتماعية وتؤمّن الحماية والسكن والأمن والأمان لأطفالنا، ويكون القانون سيدها بيدٍ من حديد تقبض على كل من يشوّه براءة الطفل بنشوة حيوان مفترس، لابدّ من نهوض المجتمع كشخص واحد بيده مفاتيح الأمان للأطفال، فلا يمكن أن يستمر مجتمع وينجح ويُثمر إذا كان مهزوماً مشبعاً بالخلل والأخطاء. علِّموا أنفسكم أن أطفالنا مستقبلنا، فلا يمكن أن ينهض المستقبل إن كان مشلول الفكر والأرجل، علّموا أبناءكم أن أجسادهم لهم ومتعتهم لهم، واللذّة لا تفيض جمالاً إلاّ عندما تلامس الروح، علّموهم أن يعشقوا أرواحهم، فهي خير سكينة وسط مجتمع الوحوش. علّموهم أن الجنس هو تصعيد للحب لا غريزة للبقاء، فقط انثروا الحب لنسمو به ونتخلّص من الاغتصاب.

العدد 1102 - 03/4/2024