السعودية بين خيارين: إما التفاهم مع دول الجوار، وإعادة التموضع أو تأكيد الصهينة!

محمد علي شعبان:

صحيح أن الدول الإقليمية المجاورة لسورية ليست جمعيات خيرية، والصحيح أيضاً أن الدول الكبرى ليست جمعيات خيرية أيضاً.

لكن التمييز بين غازٍ ومحتل، ومن يريد منع المحتل من الانتصار وتحقيق أهدافه، أمر آخر ويستدعي التوقف. ولا يمكن اتخاذ مواقف مساندة أو دعم دون مصالح مشتركة.

إن مشروع الشرق الأوسط الجديد، بأبعاده المتعددة، يجعل العديد من الدول الإقليمية تعمل على إفشاله، خوفاً من توسع النفوذ الإجرامي للإدارة الأمريكية، وانفتاح شهيتها للإطاحة بدول كبرى، بعد أن أطاحت بعدة دول، ونهبت خيراتها غير آبهة بالقوانين والمواثيق الدولية.

لذلك يأتي الدعم الروسي والإيراني والصيني بغية عدم سقوط الدولة السورية تحت الهيمنة الأمريكية، لأن الخطر الأمريكي ليس على سورية وحسب، إنما هو خطر حقيقي على كل من لا يقف في صفها.

هكذا قال الرئيس السابق جورج بوش الابن: (من لا يقف معنا فهو ضدنا). هي رسالة للعالم، وهذا ما يجب أن يعرفه الجميع، وبضمنهم الدول الأوربية الحليفة لأمريكا الآن.

وبالنظر إلى الحروب التي افتعلتها الإدارة الأمريكية، في العالم، منذ اكتشافها إلى الآن، نلاحظ أنها من أبشع الحروب التي مرت في التاريخ، لما فيها من تشريد لشعوب وإبادات جماعية وقتل شعوب بكاملها، وإبادة مدن.

ومن شاهد أفعالها الوحشية يخشاها ويتجنب الصدام معها، كما فعلت بعض دول أوربا، ومنها من يهادنها ويناور معها، من أجل عدم الصدام معها، أو تاخير زمن المواجهة بغية الاستعداد لها، كما فعلت الصين، وإيران.

إن الإجماع الدولي الضمني وغير المعلن، على وحشية الإدارة الأمريكية متفق عليه سراً، ولكن لكل دولة طريقتها الخاصة في مواجهة تلك الوحشية. وكل دولة تنتظر أن لا تكون هي من يبدأ المواجهة.

لذلك نرى عدة أشكال للتعاطي مع الخطر الأمريكي خوفاً من المواجهة، والصعوبات التي تواجهها تلك الدول، بسبب الاختراقات الأمريكية لمؤسساتها، التي أصبح جزء منها تديره أمريكا بالشراكة أو بالولاء.

بعض هذه الدول تماهت مع سياسة الإدارة الأمريكية وأصبحت جزءاً منها، وبعضهم هادن كما ذكرت، ولكل دولة طريقتها.

لكن بنية وطبيعة الإدارة الأمريكية، المؤسسة على السلوك العدواني تجاه الآخر في تأمين ما يلزمها، من أجل رفاهية شعبها، لن يمنعها من الاعتداء بكل وحشية على أقرب المقربين لها فيما لو اقتضت الضرورة.

لقد تكشف هذا جلياً بعد انتشار فايروس كورونا، واقتناصها لمواد طبية كانت في طريقها إلى دول حليفة لها. والسؤال الذي يجب أن نحاول الإجابة عنه:

هل بقي وحش في غابة إلى الأبد؟

إن تجارب الشعوب وتجدد العهود والمواثيق بين الشعوب المتعاقبة، المستقرة، والمهاجرة، تؤكد أن لا شيء أبدي، وكل شيء قابل للتغيير، وقد يتلاشى، سواء بفعل داخلي، أو بعوامل خارجية.

لقد تشكلت العديد من الإمبراطوريات، وتهدمت وبني على أنقاضها إمبراطوريات أخرى، وهذا هو القانون الطبيعي.

لكن المؤكد أن قبل فترة التلاشي أو التغيير، تتشكل الأسباب المساعدة لذلك. وإنني أرى عوامل تغيير في النظام العالمي.

وأرى مقدمات لبداية نظام عالمي جديد، تكون فيه أمريكا شريكة لكن ليس كما كانت خلال العقود الأربعة التي مضت.

بعد انتشار فايروس كورونا في الولايات المتحدة الأمريكية، وانكشاف سفالة النظام الرأسمالي على حقيقته، من قبل الشعب الأمريكي، تجاه كارثة بيئية بهذا المستوى، بالمقارنة مع النظام في الصين والدور الذي لعبته الحكومة الصينية، والدعم الإنساني ليس للشعب الصيني وحسب، إنما سارعت لتقديم المساعدات لجميع الدول المنكوبة، ومنها دول حليفة للإدارة الأمريكية، وتساهم بفرض عقوبات على الصين ودول أخرى.

في الوقت الذي خرج فيه رئيس وزراء بريطانيا يبشّر الناس بالموت، ومن لم يمت سيفقد أحباباً وأقرباء له.

ترافق ذلك مع ظهور تجار الأزمات الحقيقيين، الذين يعيشون في كنف الإدارة الامريكية، وعلى الأرض الامريكية، ويتاجرون بلقمة عيش الشعب وبحياة الفقراء من الشعب الأمريكي.

هذه المكتشفات وغيرها تجعل المواطن الأمريكي غير آمن.

ويعيش حالة من القلق والخوف على مستقبله، بعد أن اكتشف أن حكومته تمارس القرصنة على الشعوب، وإن اشتد بها الحال سيكون أحد ضحاياها.

والشعب الأمريكي ليس نسخة واحدة، فهناك من يعارض بشدة نظامه الجائر وقد شاهدنا خلال احتلال العراق وافغانستان وحتى احتلال ليبيا، أن جزءاً ليس بالقليل من الشعب الأمريكي نزل الى الشوارع، وتظاهر ضد سياسة بلاده الغازية.

لكن قبل الرهان على الشعب الأمريكي ودوره في مستقبل للبشرية أقل عنفاً، علينا أن نراهن على شعوب المنطقة العربية، التي دفعت الضريبة الكبرى، خلال قرن من الزمن.

فهل تتنبه شعوب المنطقة لضرورة تشكيل تحالفات جديدة، وإقامة علاقات حسن جوار واحترام فيما بينها؟ وهل تتحول من أدوات بيد الدول الكبرى، إلى قوة إقليمية تعمل على تكريس الأمن والاستقرار في الإقليم؟ أو ستسير من صراع إلى صراع، كما يريد لها خصومها وأعدائها؟

إن دول الإقليم غارقة تماماً في صراعات، لن تكسب منها سوى المزيد من الحقد والكراهية، من جوارها، وجميع هذه الصراعات تخدم الإدارة الأمريكية وحليفها الكيان الصهيوني.

فهل ستعيد الدول الإقليمية تصويب تحالفاتها، انطلاقاً من مصلحة الإقليم واستقراره، أو ستبقى رهينة لسياسات لم تقدم لها إلا العزلة والخذلان والخلافات مع دول الجوار؟

كنت أعتقد بعد ضربة الحوثيين لشركة أرامكو، أن تجري السعودية تقييماً جديدا لمواقفها وتحالفاتها، لكن لم يحصل ذلك.

فهل ستعيد النظر بعد انخفاض سعر النفط، وبداية ظهور أزمات اقتصادية؟!

صحيح القول: أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً، لكن التأخير ليس من مصلحة السعودية مثلاً. يقال لها: أن تأتي قوية خير من أن تأتي ضعيفة. وما يقال عن السعودية يقال عن غيرها من دول الجوار في الإقليم.

بالتأكيد إن هناك تحالفات جديدة واصطفافات جديدة في العالمن ومن يعتقد بأبدية النظام العالمي القائم فهو واهم، وعلينا جميعاً الاستعداد للدخول في مرحلة جديدة، ستكون فيها الإدارة الأمريكية أحد أقطابها، وشريكة لأقطاب أخرى. فالدولة التي رهنت مستقبلها بالإدارة الأمريكية عليها إعادة النظر من جديد على ضوء المتغيرات التي تجعل الإدارة الأمريكية، تقبل بتقليم أظافرها عن الكثير من الثروات، وقصقصة جوانحها من التحليق في العديد من الأجواء.

العدد 1104 - 24/4/2024