هونغ كونغ إلى الواجهة من جديد

ريم الحسين:

يستمر التدخل الأمريكي والغربي ومحاولات الضغط على الصين، ضمن حملة الهجمات الصوتية والعقوبات التي تقودها الولايات المتحدة ضد الصين، وخصوصاً في عهد مجنون البيت الأبيض ترامب، مستغلة أي حدث من شأنه أن يدعم مساعيها في هذا الإطار، وتجييش الرأي العام وخصوصاً فيما يتعلق بخواصر الصين الرخوة، ومنها منطقة هونغ كونغ.

تعود هونغ كونغ إلى الأضواء مرة أخرى في كل حدث يمكن استثماره سياسياً ضد الصين، ويجري تدخل سافر في شؤون الصين الداخلية وقراراتها على أراضيها. فقد تبنّى البرلمان الصيني قراراً للمضي قدماً في تشريع للأمن القومي في هونغ كونغ، يعاقب على الأنشطة الانفصالية (الإرهابية) والتمرد على سلطة الدولة والتدخل الأجنبي في هذه المنطقة الصينية التي تتمتع بشبه حكم ذاتي.

ويخشى نشطاء الديمقراطية في المدينة والدول الغربية من أن يقوّض القانون الجديد الحريات التي تتمتع بها، ويفسد دورها كمركز مالي عالمي، وقد أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الولايات المتحدة ستبدأ إلغاء الإعفاءات التجارية الممنوحة لهونغ كونغ، واصفًا التحرك الصيني الأخير في هذه المدينة بأنه (مأساة) للعالم.

في المقابل، حذّر السفير الصيني لدى الأمم المتحدة جانغ جون خلال جلسة غير رسمية عبر الفيديو لمجلس الأمن الدولي، يوم الجمعة، من أن (أيّ محاولة لاستخدام هونغ كونغ من أجل التدخل في الشؤون الداخلية للصين مصيرها الفشل).

وقال رئيس الوزراء الصيني (لي كه شيانغ) إن قانون الأمن القومي سيكون مفيداً لاستقرار هونغ كونغ ورخائها على المدى البعيد، وستظل صيغة (بلد واحد ونظامان) سياسة وطنية. واتّهمت بكين واشنطن بأخذ مجلس الأمن الدولي (رهينة)، وطالبت الدول الغربية بعدم التدخل.

وتقول الصين إن التشريع يهدف إلى التصدي للميول الانفصالية والتآمر والإرهاب والتدخل الخارجي في هونغ كونغ، وقد طلبت هونغ كونغ من الولايات المتحدة البقاء بمنأى عن الجدال الداخلي بشأن قوانين الأمن القومي الجديدة التي ستفرضها الصين، وواجه التحرك الصيني انتقادات من جانب كل من بريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا وكندا والاتحاد الأوربي.

قضية هونغ كونغ

تعود قضية هونغ كونغ للسنوات القليلة التي سبقت ما عرف بـ (حرب الأفيون)، فمنذ حوالي ٢٥٠ سنة كان هناك صراع اقتصادي بين الصين والدول الغربية الصناعية الصاعدة، وعلى رأسها بريطانيا، جوهر الصراع أن الصين الإمبراطورية العظيمة وقتذاك كانت أكبر اقتصاد في العالم، وكانت راغبة في أن تغلق حدودها على نفسها، فهي لم تجد في العالم الخارجي ما يغريها لاستيراده، ما أدى إلى وجود فجوة كبيرة في الميزان التجاري، لأنها تصدّر للعالم الخارجي ولا ترغب باستيراد أي شيء منه. بريطانيا كانت ترغب في تغيير هذا الوضع عن طريق فتح أسواق الصين وتصدير أكبر كمية بضائع وخدمات ممكنة إليها، سواء بشكل مشروع أو بشكل غير مشروع، ولذلك بدأت بزيادة وتيرة إدخال بضائعها ومن بين هذه البضائع كان الأفيون، الذي كانت تتم زراعته في الهند المستعمرة البريطانية آنذاك، وبدأت هذه البضاعة تجد رواجاً، فقررت الصين محاربة هذه البضائع، فاندلعت حرب الأفيون الأولى (١٨٣٩_1842) نتيجة اعتراض الصين لبحارة شركة الهند الشرقية التي تحمل الأفيون. وقد تدخلت بريطانيا عسكرياً وخسرت الصين بشكل مفاجئ هذه الحرب، ووضعت بريطانيا شروطها، ومنها فتح المدن الصينية أمام البضائع البريطانية وانتزاع جزء من هونغ كونغ الحالية ليكون تحت الوصاية البريطانية. ثم تجددت هذه الحرب مرة أخرى فيما عرف بحرب الأفيون الثانية (١٨٥٦_١٨٦٠) وانضمت فرنسا إلى بريطانيا في هذه الحرب وللأسباب نفسها، وخسرت الصين لصالح بريطانيا جزءاً آخر من هونغ كونغ (كولون). ومن ثم قررت بريطانيا استئجار جزء ثالث (الأراضي الجديدة) لمدة ٩٩ سنة، وشكلت هذه الأجزاء الثلاثة من الأراضي الصينية ما يعرف اليوم بمقاطعة هونغ كونغ الحالية. ثم بعد الحرب العالمية الثانية وظهور الصين كقوة صاعدة، بدأت تسعى لإعادة السيطرة على كل المناطق التي استحوذ عليها البريطانيون في حروب الأفيون، إضافة إلى منطقة ماكاو التي كانت مستعمرة برتغالية، ومنطقة تايوان.

بدأت مفاوضات مع بريطانيا حتى عام ١٩٨٤ وكان من بنود الاتفاق أن تسترد الصين هونغ كونغ في ١ تموز ١٩٩٧ حين ينتهي عقد إيجار الأراضي الجديدة، بشرط أن تحظى هونغ كونغ بفترة انتقالية لمدة ٥٠ سنة تنتهي عام ٢٠٤٧ يكون فيها لهونغ كونغ حكم ذاتي تحتفظ فيه بالنظام القائم تحت الاحتلال البريطاني وفقاً لمبدأ (دولة واحدة ونظامين). وقبلت الصين لعدة اعتبارات، منها أنها كانت مستفيدة من تجربة هونغ كونغ التجارية الناجحة، وكانت أهم أسباب النهضة الاقتصادية الصينية الحديثة، ولتقنع تايوان بالعودة إليها على المبدأ نفسه، وهذا موضوع آخر مع الإشارة إلى عودة ماكاو إلى الصين عام ١٩٩٩ مع حكم ذاتي.

ما يحدث اليوم لا ينفصل عما حدث في العام الماضي، فلم يكن لهونغ كونغ قوانين تجبرها على تسليم المجرمين إلى الصين، لكن الصين ضغطت على السلطة الموجودة حالياً في هونغ كونغ لسنّ قانون يقضي بتسليم المطلوبين للعدالة في القضايا الجنائية، لكن البعض في هونغ كونغ أصيب بالذعر من هذا الموضوع خوفاً من أن يؤدي هذا القانون في النهاية إلى تسليم جميع المعارضين للبلد الأم، وظهرت آنذاك بعض الاحتجاجات والتدخلات الخارجية، فقامت الصين وسلطة هونغ كونغ بتجميد القانون مؤقتاً.

الصين تتبع سياسة النفس الطويل وتحاول إعادة هونغ كونغ بالتدريج، فهي ترفض وجود بؤرة ذات توجهات غربية تابعة لأراضيها، وحتى يحين عودة هونغ كونغ رسمياً لتندمج بالدولة الصينية بشكل كامل، كان لا بدّ من بعض القرارات والقوانين التي تمهد لهذه العودة حتى لا تكون العودة بشكل مفاجئ ومختلف عما هي الأوضاع عليه في داخل الصين.

العدد 1102 - 03/4/2024