الدراما ومدى تأثيرها على المتلقي
وعد حسون نصر:
التلفاز هو الأب الثاني للأسرة، مهمته التعليم والتربية والتثقيف، إضافة إلى التسلية، لذلك يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار طريقة تقديم المواضيع وطرح المشكلات، فلا يمكن أن تُطرح مشكلة مجتمع غربي للمتلقي الشرقي المختلف كلياً عن الغرب بالعادات والتقاليد والعرف والنظم الاجتماعية، وبالتالي علينا التركيز من خلال الدراما على المواضيع التي تلامس واقعنا ومجتمعنا وسلوكيات أطفالنا واليافعين منهم والشباب وصولاً إلى كبارنا والكهول.
لذلك علينا طرحها من خلال الدراما كمشكلة لها سبب، وأيضاً لها حلّ، كأن أطرح مشكلة المخدرات وتأثيرها على المجتمع وأسبابها، ربما عائلية أو نفسية أو تقليد أعمى أو تشرّد، ومن ثمّ الحلّ والنتيجة لتكون عبرة للمتلقي.
لكن للأسف نحن اليوم أمام ظاهرة العبث بعقل المتلقي وخاصةً جيل اليافعين والشباب، عندما أعرض له مشكلة بعيدة كل البعد عن واقعنا ومجتمعنا، وأجمّلها له بداعي التهريج والتسلية فقط ولكسب أكبر قدر من المشاهدين، مستغلاً وجود فتيات مثيرات في العمل الدرامي وكذلك الذكور، وهنا الطرح يكون فقط لجذب المشاهد لا لحلّ مشكلة، وهذا ما يحدث هذا العام في الدراما المحلية وبعض الأعمال التي تبتعد كل البعد عن واقعنا العربي بشكل عام والسوري بشكل خاص، أخطاء فادحة بحق جيل كامل عندما أطرح له التفاهة واللهو والتهريج وأن كل شيء متاح، مقالب للأذى فقط، عادات سيئة مثل التدخين والنرجيلة والخمر والربا وكأنها وسائل ترفيه جديدة دخلت علينا لتُسلّي شبابنا.
أيضاً هناك بعض البرامج المضحكة التي تُجسّد العنف فقط، وكأنني أُجمّل تعذيب الفنانين على الهواء لكي أُضحِك المشاهد وأجمع نسبة كبير من المشاهدات والإعجاب على وسائل التواصل، إضافة إلى الكثير من الأعمال الدرامية والبرامج التي كانت تهدف فقط للربح أكثر من الفائدة والمتعة، لذلك نحن اليوم أمام مشكلة كبيرة من التقليد الأعمى لمجتمع لا يشبه المجتمع الغربي حتى إذا كنّا نقلّد الغرب، نحن نسوّق للأسف بأعمالنا لتغييب القيم عندما نطرح وجود مراهقين من الجنسين في منزل واحد لا شيء لديهم سوى التدخين والنرجيلة والمقالب المؤذية، أين الحل؟ أين البحث بالأسباب؟ مع العلم أنني لا أحمل فكراً منغلقاً، لكنني أحترم مجتمعاً تربّى على القيم، فكيف للأهل أن يستطيعوا منع أبنائهم من مشاهدة هذه البرامج والمسلسلات إذا كانت الشاشات مزدحمة بها، وكانت أغلب الأمهات موظفات يغبن فترة عن منازلهن، كيف لنا أن نقنع هذا اليافع أن ما يشاهده تهريج لا أكثر بغاية الضحك، وجذب من في عمره من أقرانه للجلوس فترة طويلة أمام الشاشة دون فائدة. لذلك علينا إعادة النظر بما يتلقاه أبناؤنا من خلال التلفاز أو المحمول، لنبحث في محمولات أبنائنا ونتعرّف ميولهم، نبتعد عن الهجومية ومنعهم بشكل قمعي عما يشاهدونه، ولنجعل من الحوار وسيلة لمحاولة منعهم من خلال شرح المشكلة وسببها وأن مثل هذه الأعمال لا تشبه فكر أبنائنا، هنا نستطيع كسبهم لجانبنا ودونما أن نُعزز لديهم فكرة كل ممنوع مرغوب، وبالتالي فإن الطفل أو المراهق هم من تلعب الدراما دوراً هامّاً في تقويم سلوكهم، لأن عواطفهم ما زالت غير مستقرة والتأثير بالآخرين لديهم أكثر من غيرهم من شرائح المجتمع، لأن الدراما وكل وسائل الإعلام لها تأثيرها في المتلقي مهما بلغ من العمر، وبالتالي يكون التلفاز هنا في مقدمة هذه الوسائل من حيث قوة التأثير، لأنه يمتلك القدرة على تحقيق قدر ملموس من التغيّر الاجتماعي والثقافي في المجتمع، لذلك لا بدّ من الالتزام بما يعرض من دراما عبر التلفاز، لأن دورها حماية هويتنا العربية من خلال إبراز ثراء مجتمعنا العربي بالعادات والتقاليد المهمة والأساسية، ولذلك لابدّ من تفعيل دور الندوات عبر الشاشة واللقاءات العلمية التربوية حتى لا يبتعد المتلقي عن المنفعة من خلال الأب الثاني ودوره في تقويم المجتمع، كذلك لكي لا يكون هناك فجوة بين الجانبين الأكاديمي والفني، الذي قد لا يكون مبدعوه على وعي كاف بسلبياته وخطورة تأثيره، ومن هنا يكون للتلفاز دور مؤثّر في إثراء الثقافة المجتمعية للجمهور، من خلال تحويل الكتابات الموجودة فعلاً عن الشخصيات البارزة إلى أعمال درامية تغني المجتمع بمقومات سلوكية سليمة من خلال الدراما والحوار السليم والشخصية المناسبة، وتضع لكل مشكلة سبباً وحلاً لكي تُعيد ترتيب أفعال جيل بكامله من الشباب المفعم بالعطاء، ومن خلال عطائه نبني مجتمعاً متعافياً تحكمه مقومات سلوكية حميدة متفق عليها من الجميع على أنها بناءة وسليمة وأساس لتنمية السلوك الصحيح لأبنائنا.