خطر كورونا سينتهي.. لكن الناس لن ينسوا

كتب رئيس التحرير:

تتكثف الجهود في جميع الدول لإيجاد لقاح لفيروس (كوفيد19)، وتتسابق الحكومات في الدول الرأسمالية الكبرى في البحث عن (شماعة) تعلق عليها افتضاح التركيبة السياسية والاقتصادية لدولها، وانكشاف هشاشة المنظومات الصحية والاجتماعية العامة التي أفرزتها هذه التركيبة، بعد عقود تسيدتها نزعة الليبرالية الاقتصادية الجديدة العدوانية، التي سعت إلى عالم (الخُمس) الثري بكل الوسائل والأدوات العسكرية والاقتصادية، مهمّشين طموحات الشعوب إلى عالم يسوده السلام.. والأمن.. والتنمية المستدامة.. والعيش المشترك.

في الولايات المتحدة يسعى (ترامب) المقبل على انتخابات الرئاسة.. المؤمن حتى العظم بنظرية المؤامرة،  إلى توريط الصين بالأزمة العميقة التي عصفت بالولايات المتحدة، بعد انتشار الفيروس، وتبرئة البيت الأبيض والطغمة العسكرية والمصرفية، التي راحت تبحث عن قرصنة التريليونات في ما وراء البحار، وتهميش مصالح الأمريكيين الأساسية في حياة آمنة لا تهددها سياسات الشركات الكبرى، ومصالح مصنعي السلاح وتجاره، ومشعلي الحروب، لكن مساعي ترامب تصطدم بما لمسه الأمريكيون لمس اليد، من قصور في سياسات الحكومة تجاه المنظومة الصحية العامة، في بلد يفاخر الأثرياء فيه ببضعة مشاف لا يدخلها إلّا أصحاب المليارات.

في الغرب الأوربي، الذي التحق بالسياسات الأمريكية منذ تسعينيات القرن الماضي، والذي وضع على الرف تراثه السياسي والثقافي والاجتماعي، لم يكن الوضع أفضل، فمن تفاخر في الماضي بإرثه الفكري والمعرفي المغرق في القدم، وقف مدهوشاً أمام هشاشة  الضمانات الصحية والاجتماعية التي أظهرها انتشار الفيروس، وأدرك المواطن الأوربي أن الرفاهية الأوربية التي سادت في منتصف القرن الماضي،  تحولت بعد الأزمات الاقتصادية التي تسببت فيها النيوليبرالية، إلى موازنات تقشفية، تقضم مخصصات المواطنين الأوربيين، وضماناتهم الصحية والاجتماعية.

في بلادنا، وفي الظروف الاستثنائية التي عصفت بالمواطن السوري منذ بداية الأزمة والغزو الإرهابي والحصار الاقتصادي، لمس السوريون بعد عقد من تقزيم دور الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ضعف الاستجابة الحكومية لمصالح الفئات الفقيرة  والمتوسطة، والانحياز لمصالح الأقلية المقتدرة والمتحكمين بالنشاط الاقتصادي من (أثرياء الغفلة) والمتحكمين بالأسواق، وسماسرة الغذاء والدفء والدواء، ورغم الإجراءات الصحية والوقائية التي اتخذتها الحكومة، فإن معاناة جماهير الشعب السوري ازدادت كثيراً بسبب ترك تأمين المواد والسلع الأساسية  للمواطنين بيد المنتفعين من استمرار الظروف الاستثنائية، وتجار الأزمات، ومراكمي الأرباح، وبعض الفاسدين والمدافعين عنهم في مراكز القرار.

سيرحل الفيروس.. وستستعيد دول العالم رشدها بعد نوبة الجنون الكورونية، لكن شعوب العالم لن تنسى أبداً أن القاذفات الجوية،  والصواريخ العابرة للقارات، والحسابات المصرفية الفلكية، لم تقدم الأوكسجين لمن يعاني الاختناق، وتهميش الأكثرية لمصلحة الأقلية، كما ظهر في ظروف (كورونا)، هذه الشعوب يجمعها اليوم السعي من أجل تحقيق نظام سياسي واقتصادي  أكثر عدالة واهتماماً بقضايا الإنسان.. الذي يعد بجميع المقاييس السياسية والاجتماعية والأخلاقية غاية أي نظام سياسي أو نهج اقتصادي، ولن يكون هذا النظام إلاّ النظام الاشتراكي المستفيد من تجارب الماضي، العادل حقاً.. الإنساني حقاً.

العدد 1104 - 24/4/2024