حول الليبرالية
يونس صالح:
يطلق مصطلح ليبرالية على التيار الفكري الذي يؤمن ويعتقد بالحرية الفردية، وذلك في مجالات الحياة المختلفة من اقتصاد وسياسة.
ويعود أصل المصطلح إلى اشتقاق لاتيني لكلمة بالمنطوق نفسه، وكانت تطلق على المهن الحرة التي لا تخضع لسلطة منظمة بين العميل أو الموكل والوكيل، ورغم أن التوسع في استخدام المصطلح كمرادف لمعنى التحررية قد ظهر مع بداية مرحلة الرأسمالية، ونمو نفوذ رجال الصناعة، إلا أن المصطلح بمعنى التحررية أيضاً قد وُصف به أشخاص، ووسمت به مراحل سابقة على هذا التاريخ.
وتتلخص دعاوى التحرر هذه في مفهوم يرتكز على ثلاثة محاور:
– ليس للدولة الحق في التدخل للحد من حرية الأفراد، ويزيد الرأسماليون، في ذلك بأنهم يعرفون الحكومة النموذجية بأنها هي تلك الحكومة التي لا تتدخل في الاقتصاد وإدارته مطلقاً، وفقاً لمضمون (دعه يعمل، دعه يمر).
– لأن الفرد هو العنصر الأساسي في الاقتصاد، فإنه لا بد من توافر أقصى حد للحرية الفردية، وعلى الدولة هنا أن تكون حارسة لهذه الحريات وضمانها.
– يؤمن أصحاب الاتجاه الليبرالي بضرورة المنافسة بين الاقتصاديين، وذلك لضمان التوصل إلى مستوى التوازن الطبيعي في النظام الاقتصادي.
وقد توصلت الليبرالية إلى هذا المفهوم عبر اكتشافات وانقلابات فكرية، لم تكن منفصلة عن التغير الاقتصادي والاجتماعي الحادث في المجتمع الأوربي في أوائل القرن التاسع عشر، إن بعض المفكرين الغربيين يرى أن ظهور الطبقة المتوسطة كطبقة جديدة قد جاء ليهدم كل الحواجز التي كانت تحدد الامتياز بناء على المركز الاجتماعي، وكانت- أي الحواجز السابقة- تربط بين فكرة التمتع بالحقوق وحيازة الأرض، إلى أن جاءت الثورة الصناعية والتغير الاجتماعي والسياسي الذي صاحبها، فأحدثت تغيراً أساسياً في العلاقات القانونية، فسادت نظرية العقد الاجتماعي بدلاً من المركز الاجتماعي، وبالتالي تلاشت أفكار ونظريات سادت أوربا لفترة طويلة، مثل نظرية الحق الإلهي، وأن الحاكم ظل الله في الأرض.. الخ.
وبعد أن كانت هناك طبقة اجتماعية تملك وتحكم وتستمد سلطتها ومركزها من ملكية الأرض ومن عليها.. ظهرت طبقة اجتماعية جديدة تستمد سلطتها ومركزها من ملكية ثروة سائلة أو مستقرة، فكان من أعضاء هذه الطبقة الجديدة التاجر وصاحب المصنع ورجال المال والبنوك.. الخ. كانت هذه التغيرات تتم في عصر يتميز بالانتقال النوعي للاكتشافات والعلوم، فحل العلم مكان العقيدة الدينية كعنصر في تشكيل أفكار الناس، وضعف دور رجل الكنيسة الذي كان يبيع للناس الجنة مقابل صمتهم واستسلامهم في الدنيا، كان هذا المناخ كفيلاً بأن يولد ظروفاً اجتماعية جديدة تكونت على أساسها فلسفة جديدة، لتهيئ تبريراً عقلياً للعالم الجديد الذي تبشر به هذه المتغيرات.
وعلى مستوى بلادنا، فلقد انتشرت وشاعت الأفكار الليبرالية، وحاولت تيارات مختلفة أن تؤكد سيادة العلم والعقل، إلا أن خصوصية التركيب الاجتماعي والتاريخي للبلاد، حالت دون ازدهار الليبرالية، إضافة إلى أن البلاد لم تشهد هذا الانتقال الهائل علمياً وصناعياً، والذي كان كفيلاً بأن يغير التركيبة الاجتماعية والفكرية لها.