ما من مسلسل بريء

د. أحمد ديركي:

في عصر الوباء المستحدث في الزمن الراهن يجبر الإنسان، سواء كان فرداً أم عائلة، على أن يلتزم بالحجْر الصحي، وإن لم يكن مصاباً بالوباء، المفروض من قِبل السلطات السياسية. وهو حَجْرٌ خاضع لما يتوافق مع رؤية هذه السلطة لسُبل معالجة الوباء.

فيعمل الإنسان على إيجاد السبل المناسبة للتكيف مع الظروف الراهنة. وعملية التكيف هذه ليست بالمسألة السهلة على الجنس البشري، وبخاصة أنها أتت في ظروف استثنائية غير متوقعة بالنسبة لكثيرين، رغم التحذيرات المسبقة منذ سنوات بإمكانية حدوث عوامل طبيعية كهذه. ويبدو أن على الإنسان في العصر الحاضر أن يكون مستعد دائماً لكل عامل طبيعي جديد.

لماذا لم يأخذ الإنسان بهذه التحذيرات المسبقة؟ سؤال لا مجال للإجابة عنه الآن!

من ضمن محاولات التكيف مع الظروف الراهنة: البحث عن سبل غير مكلفة، بالنسبة لأصحاب الدخل المحدود، ولا فرق إن كانت مكلفة أم لا بالنسبة لذوي الثروات، ومن سبل التكيف للطرفين مضيعة الوقت بمشاهدة المسلسلات على التلفاز!

حلقةً تلو حلقة ومسلسلاً تلو آخر، وإن كانت غير ممتعة أو ممتعة، سيئة التمثيل أم جيدة، أو… ما يتبع من نقد يتعلق بهذا الحقل. لكن يبدو أن هناك أموراً أخطر بكثير من مسألة النقد في هذا العالم المتلفز لمضيعة الوقت وهدره!

بعد التتبع الإجباري لبعض حلقات من مسلسلات سورية تُعرض على الشاشات السورية بكل تفرعاتها، من الرسمية إلى الخاصة، أدركت مدى خطر ما يُعرض!

يكمن الخطر في رسالتين غير مباشرتين تعملان على تشكيل الوعي لدى معظم جمهور متابعي المسلسلات، وما أكثر متابعي المسلسلات ومن كل الأعمار.

الخطر الأول يتعلق بالبنية الفكرية المتكاملة للمجتمع، لهدم بنى قائمة وإعادة تشكيل بنى مغايرة للواقع، من خلال تشويه الأفكار القائمة وتسويق الجديدة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، في أكثر من حلقة من مسلسل تلفزيزني يعرض على الشاشات السورية، يدور حوار حول (الشيوعية)، والحب من فتاة شيوعية، فتُصوَّر المرأة حاملة هذه المبادىء والأفكار وكأنها إنسان لا يفقه من الفكر إلا التعنت والتقلب وفقاً للظروف، لتكون في زمن الاتحاد السوفياتي جذرية في شيوعيتها متهمة زوجها بأنه (يميني)، وبعد فشل التجربة السوفياتية تصبح الفتاة نفسها تتهم بـ(الشيوعي المتحجر)! فيطرح البديل من خلال المسلسل لهذه الحالة (غير الصحية) بالانفتاح وقبول العولمة! وتظهر العولمة من خلال الحوار في المسلسل وكأنها (الحل السحري) لكل مشاكل العصر! ولا أعلم ما المقصود بـ(مشاكل العصر) ولا في أي بلد هذه المشاكل، ما يوجب عليها قبول العولمة لتكون العصا السحرية لحل مشاكله، وكأن العالم برمته لم يدخل بعد في مطحنة العولمة!

الخطر الثاني: إظهار المرأة في المسلسلات السورية، وتحديداً التاريخية منها، وكأنها ذاك المخلوق التابع كلياً لهيمنة الذكر، ولا تملك أي دور في الحياة سوى الإنجاب وإرضاء الذكر! وإن حاولت بعض هذه المسلسلات إعطاء بعض الأدوار المميزة للمرأة ولكن للأسف يبدو أن معظم من يكتبون أو يؤلفون سيناريوهات هذه المسلسلات، إن لم نقل كلهم، ما زالوا ضمن (عقدة أديب).

فهل تريد منا هذه المسلسلات التلفزيونية أن نقول أهلاً بالعولمة ونحن نعاني من عقدة أديب؟ أهذا هو جوهر الفكر التحرري المعروض على الشاشات؟ مع لحظ أن الأخطار لا تتوقف هنا، بل هناك المزيد والمزيد.

نعم، ما من مسلسل بريء، فلكل مسلسل فكرة مبطنة يريد فرضها علينا بشكل غير مباشر، والأخطر أن معظمها يدور حول الأخطار عينها فتبدو وكأنها حقيقة مفيدة للتقدم البشري!

العدد 1104 - 24/4/2024