بيضة الديك

حسام محمد غزيل:

يقول مثل صيني: قبل أن تثور في مجتمعك، ثُر على ذاتك، وقبل أن تُطالب محيطك بالتغيير، عليك أن تُراجع نفسك وتُحاول التغيير ابتداءً من ذاتك أولاً.

إن أكبر مشكلة تواجه منطقتنا هي رغبة الفرد بالتغيير الكلي انطلاقاً من الكل لا الجزء، مُتجاهلاً المحيط العام وما يرتبط به من موروثات سلوكية وأخلاقية، اجتماعية وسياسية ودينية. إن الإنسان الذي يحاول أن يدّعي طلبه للتغيير وهو مُتشرّب بالأمور ذاتها التي يرفضها، هو كمن ينتظر بيضة الديك، يرفض ما يتعارض مع مصلحته ويقبل ما يتوافق معها، ما يُذكّرنا بأيام ثورة يناير في مصر، من تجمعات كبيرة لأُناسٍ يدعون للمطالب ذاتها شكلاً ويتعارضون مضموناً، ويتمنون القضاء على جيرانهم، هم شركاء جمعيون في الظاهر متعارضون في الجوهر، وهذا ما دفعهم للتخبّط فيما بعد التنحّي، وتكشّف الاختلاف الجوهري حول أصغر التفاصيل، ممّا يُرسّخ عدم ترافق جذري على العقد المجتمعي الذي يتضمنه الدستور ويدافع عنه القانون، فينشأ صراع عميق حول إعادة صياغة المسمّيات والقيم دون القدرة على صياغة تشاركية تُحدّد ماهية الوضع في أول امتحان بعد الخطوة الأولى للتغيير.

إننا في منطقة الشرق الأوسط نُعاني من معضلة تُجسّد كل مشاكلنا، وهي عدم القدرة على التعاملات الشرطية في المجتمع، والاحتكام عند كل خلاف إلى القوالب والتقسيمات العرقية والدينية والمناطقية حتى دون النظر إلى جزئية أساسية تُلخّص كل ما هو عليه الوضع: الشراكة الوطنية والعقد المجتمعي الذي يضمن الأحقية بالوطن والعمل للانتماء إليه بعيداً عن أيّة حسابات أخرى. ومن هنا نعود إلى البداية لنؤكّد أن معرفة الفرد لذاته واستكشافها والبحث بما لها وما عليها ضمن المجتمع هو الانطلاقة الحقيقية لأيّة رغبة في التغيير.

إنّ جهلنا بالقوانين الناظمة للحقوق، وعدم فهمنا لطبيعة ما نحن عليه كأفراد ومجتمعات، يجعل لدينا دوماً هامشاً كبيراً من التخبّط، عندما تُتاح لنا مساحة من الحرية المفاجئة التي تجعلنا نصطدم بحقيقة عدم امتلاك هوية انتماء حقيقية وواعية بعيدة عن أي أجندة أخرى، ويدفعنا لعدم إدراك كم هذه الأرض غالية بكل ما فيها، وتستحق الكثير من الوعي للوصول إلى برّ الأمان معها وفيها.

ثُرْ على ذاتك، تأكّد من كلّ ثوابتها، ملامحها، قناعاتها، أعِد التفكير فيها جيداً، تعرّف عليها من جديد، مُدّ جسور التواصل لذاتك، أحِبّها، أخلِص لها، صارِحها وتعرَّ بكلّ جدية أمامها، كُن بثورتك أنت من دون قشور، حينئذٍ فقط ستبلغ التغيير الذي تريد، وستكون قادراً على إقناع مَنْ حولك بالبحث والتفكير حول الحل، حينئذٍ ستكون بيضة الديك حقيقة، ولن يحترق الفينيق، فالنار في داخله أكبر وأقوى من كل ما يُحيط به.

العدد 1102 - 03/4/2024