مَنِ الأجدر في أن يكون ربّانُ العائلة؟

غزل حسين المصطفى: 

(الزواج الواهي في أصله قد يهدمه أيُّ شيء إذا لم ترتبط الأرواح ببعضها، وكانت بينهما تلك الفجوة من الصمت وعدم القدرة على التواصل، فإن الانهيار قد يحدث لأيّ سبب، قد يكون الأطفال أحياناً سبباً لبقاء اثنين لا يجدان ما يجمعهما، المسؤوليات المشتركة قد تجمع بينهما إن فشلت القلوب في ذلك).
وقفتُ عند هذا المقطع من رواية (ليطمئن قلبي) للكاتب أدهم الشرقاوي، وعلى بساطة هذه السطور إلاّ أنها تحمل في داخلها العديد من النماذج الأُسرية المحيطة بنا، وخلدت إلى نفسي أناقش الفكرة معها، وأول ما خطر على بالي هي الفكرة المتداولة عن بعض الأزواج الذين يلجؤون لتثبيت قواعد زواجهما المُفكّك بإنجاب طفل جديد لعلّه يحمل بُشرى مختلفة لهذه الأسرة وعلى وجهه تنفتح طاقات الحب السماوية التي باتت مُغلقةً منذ عشرة أعوام ولم يفلح إخوته من قبله في تغيير شيء، وحين تصل الأمور إلى نصابها نكون قد حصلنا على (دزينة) أطفال وأم تنوح على حظِّها عائدة إلى منزل ذويها، في حال وجوده، تُجرجر أذيال الخيبة من وجهة نظر المجتمع، فقد كانت ولوداً لكنها لم تفلح بصمتها وأنوثتها أن تكون ودوداً. وفي حال لم يكن لها عائلة تحميها وتعود إليها سنقف عند كارثة الصمت والتّحمّل فلا حلّ أمامها إلاّ أن تُضحّي لأجل أطفالها وتصون نفسها من البقاء في الشارع. وبغضّ النظر عن تبعات هذه الحالة:
_ماذا لو وقع الطلاق وانتشت تلك الأم بجناحيها لتحمل صغارها وتهاجر حيث تخلق الجو والبيئة المناسبة حتى تربيهم وتصنع منهم نماذج بشرية صالحة!
_ماذا لو كانت كفأة بما يكفي لتصنع من فلذاتها رجالاً تكتب التاريخ!
_لماذا ينبغي أن نعيش دائماً ضمن قوالب نمطية عن أسرة سعيدة يحكمها صورة (بابا وماما ورامز وريم) وأجنحة السعادة تحمل المنزل عبر ضحكات سكانه، ألا يُمكن أن يستطيع أحد الطرفين أن يستقيم بخط سير العائلة وحده؟!
_ألا يمكن أن تُخبر الأم ولدها بأنه قد صار شابّاً وعليه أن يهتم بمظهر لحيته حديثة الظهور وقد يسبقها إلى ذلك أقرانه أو الدائرة الأقرب من الأقارب!
_ألا يمكن لأب أن يستعين بأنثى قريبة أو حتى بأسلوبه اللطيف العلمي اللبق ليكون مع ابنته في منعطفات حياتها حتى العاطفية منها!
_لا ننكر مضاعفة المسؤوليات أو عظمة المتاعب، ولكن الأمر معقول جداً، على الرغم من أنني أعيش في عائلة نموذجية جداً وجو صحي للغاية، لكنني أتلمّس من خلال التجارب المحيطة بي نجاح تلك الأُسر المبنية على وجود ربّان واحد متمثّل بأحد الأبوين. أعود وأكرر الصورة النمطية للعائلة النموذجية لن تقرأ المعادلة التي أسلفت، فالأركان ناقصة لكن ماذا عن تلك النتائج!؟
كيف يقرؤون نجاح عائلة جارتي (المتعلمة) وهي من تعيش مع طفلها وزوجها تحت سقف واحد وضمن جو ينعكس للخارج على أنه أُسري للغاية ولا يُدرك أحدٌ أنها تزجر طفلها(الوحيد) حين يأتيها مُحدّثاً إياها عن يومه المدرسي، فمحادثة على تطبيق الواتساب أو إفطار جماعي مع (نسوان العيلة) هو أهم عندها، فطفلها لن يُغذّي سنين عمرها وشبابها إنما يسرقها بينما تُفلح الجلسات النسائية في إزاحة همومها، رباه!
في المقابل آثرت أخرى أن تُكرّس حياتها لتعيشها من جديد بفصول مختلفة عبر فتاتين كانتا نتاج تجربة زواج لم تكتمل، لكنها استطاعت أن تُكمل المسير وتخرج للحياة طالبتين جامعيتين يشقّان طريقهما.
أنا لا أُعمّم، أنا أناقش الفكرة وذلك لا ينطبق على الطلاق فقط، فقد يغيب أحد الطرفين لظروف مختلفة، وهنا لا بدّ أن أذكر صورة ذلك الرجل الذي عصف بزوجته عارض صحي جعلها قعيدة الفراش أبدياً ومن حوله أطفال صغار يحتاجون إلى اليد التي تطعمهم وتسقيهم، لم يتزوج، لم يتكبّر، لم يفعل شيء إلاّ أنه كان إنسانياً وفعل الشيء الذي يجب فعله، ليكون أباً وأما لزوجته وأطفاله بكل سعادة وسرور.
الموضوع لا يقف عند نمطية عهدناها كما أسلفت، ولا يعتمد على جنس الفرد الذي بقي، لطالما اتخذنا القرار في أول الطريق على أن نحمل المسؤولية وتعهدنا بذلك ضمنياً، ووهبتنا الحياة دور الأبوّة، علينا أن نتحمّل مسؤولية تلك الكائنات البشرية حتى يشتدّ ساعدها.
والحديث يطول، هناك نقاط عدّة مُتشعّبة لكنها في الغالب تصبُّ في الفكرة العامة التي تحدثنا عنها.
ختاماً
دائما ما أقول يجب ألا نتّخذ قراراً بالإنجاب إلاّ عندما نُدرك تماماً أنّنا قادرون على أن نهب أنفسنا وحياتنا لأفرادٍ سيخرجون من أصلابنا يُكملون معها وبها الحياة، نعطيهم ويعطوننا.

العدد 1102 - 03/4/2024