اقرأ لتنتصر

موسى الخطيب:

فيما كنا نتأهب لإعلان القدس عاصمة للثقافة العربية مطلع عام 2009 أضرموا لنا محرقة غزة، ليؤكدوا لنا التلازم بين الثقافة والمقاومة، فلا ثقافة من دون مقاومة، ولا قدس من دون غزة.

أضرموا لنا محرقة غزة ليذكرونا بـ(اقرأ)، مفتاح حضارتنا الذي أضعناه فضاعت معه قدسنا وضاعت معها عزتنا وكرامتنا، والتقطه الصهاينة فجاسوا الديار وأذاقونا مرارة الهزائم وذل الانكسار.

لم يفلح تقرير التنمية البشرية لعام 2001 في تنبيهنا من غفلتنا حين نشر فيما يشبه الفضيحة إحصاءات اليونسكو التي سجلت للصهيوني قراءته 40 كتاباً في العام، مقابل كتاب واحد يقرؤه واحد من كل ثمانين عربياً، ويُستخلص من ذلك أن ما يقرؤه الصهيوني في العام الواحد يحتاج إلى 3200 عربي ليقرؤوه، وأن ثقافة الصهيوني الواحد تعادل ثقافة 3200 عربي مجتمعين.

لم يكن لدولة الصهاينة أن تقوم على أنقاض بيوتنا وأن يستوطنوا فلسطين على أشلاء أطفالنا وتشريد أهلنا، لو لم نترك القراءة فنصبح غثاء، وكغثاء السيل لا تثقل بنا كفة ميزان ولا نحجز لأنفسنا في المجتمع الإنساني رقماً فوق الصفر، ونحن ندرك أن النصر لن يحالف الجاهلين المعرضين عن نداء اقرأ.

فلنعثر من جديد على المفتاح الذي أضعناه، لنقرأ أو لنرتق فإن منزلتنا عند آخر كتاب نقرؤه. لنقرأ حتى نزداد قوة فإن عدونا الذي تسلل إلينا من خلال جهلنا سيندحر في مواجهة معرفتنا.

لنقرأ ولنحرض من حولنا على القراءة، لأن معركتنا الثقافية مع العدو لا تقل أهمية عن معاركنا العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.

لقد سكن الجهل في عقولنا وفرّخ أجيالاً لا تعرف للقراءة سبيلاً، لقد ختم الجهل عقولنا بالشمع الأحمر، وتعرّض شعبنا لحملة ضارية قوامها الجهل والتجهيل، ففي خمسينيات القرن الماضي كان يحظر على كل مواطن الاستماع إلى إذاعة الصهاينة، كما يحظر على كل مواطن قراءة الصحف العبرية أو الكتب التي تصدر في أرض الاحتلال أو التي تتحدث عن الصهاينة، لأن فيها مفسدة للأخلاق الوطنية وخدشاً لمعنويات الشعوب وإساءة للمثل القومية.

سألت مرة إحدى خريجات الجامعة بكلية الأدب العربي: ماذا قرأتِ للشاعر أمل دنقل؟ فجاءني ردّها الموجع: أنا لم أسمع بهذا الشاعر، واعجبي!

وعلى الجانب الآخر فإن عدونا يعرف عنا أدق التفاصيل، يقرأ ما نكتب ويستمع إلى كل ما نقول ويتابع كل ما نعمل ويمحص تصرفاتنا، يعرف أسماءنا، يعرف تاريخنا بتفاصيله، يشاهد أفلامنا ومسرحياتنا، يتمتع بفنوننا، ينسجم مع أغانينا وألحاننا، يعرف قادتنا وكوادرنا وقواعدنا، يعد علينا أنفاسنا، يحصي علينا حركاتنا، يعرف أصول ديننا، يعرف أسس قوميتنا، يعرف لغتنا، وقد اتخذ قراراً في 9/11/1976 أن اللغة العربية ستدرس بشكل إلزامي للصف التاسع، كما أن جيش العدو الصهيوني عازم على توسيع تعليم اللغة العربية لأفراد القوات المسلحة. والجدير بالذكر أن آبا إيبان متخصص بالأدب العربي، وترجم كتاب (يوميات نائب في الأرياف) للأديب توفيق الحكيم، وهاركابي أحد مدراء المخابرات السابقين من المتخصصين في العربية، والجنرال نتنياهو بيلد يحمل دكتوراه في أدب نجيب محفوظ، لهذا فهو أقدر ما يكون حين يشن علينا الحرب النفسية.

إن أبسط قواعد قتال العدو هو معرفته، معرفة نقاط ضعفه، ونقاط قوته معرفة أسراره وخباياه، قادته، زعمائه، جيشه، سلاحه، وكل شيء عنه، وضعه الاجتماعي، والعسكري والاقتصادي والسياسي، وحين تتفتح ذاكرتنا ونمتلك مفتاح المعرفة بآفاقها الواسعة يمكننا الحديث عن آفاق الانتصار على العدو.

العدد 1104 - 24/4/2024