ماجد أبو شرار.. سورة العائد

أحمد علي هلال:

لكل الصباحات الفلسطينية الجديرة بالحياة، نهتف لماجد أبو شرار: صباحك فلسطين جدارة الحياة.

كنت شبهتهم، أيها المثقف والمناضل والإنسان في المبتدأ، فهل قتلوك حقاً أم شبه لهم، لأنك مازلت بخبزك المر تتماهى في يومياتنا ولحظاتنا ودقائق قلوبنا، لأنك النسغ الأخضر والخيط الأبيض في نسيج أيامنا، قالوا إنك (لوركا الفلسطيني الذي أصرّ على تعلم إطلاق الرصاص في معسكر الشعب، أو التدرب على الكتابة في ميدان الرماية، وقالوا أيضاً إنك طائر النوء ابن العاصفة… فكلما أمعنت في الغياب، أمعن فينا حضورك).

فمن أين تبتدئ الصباحات يا ماجد؟ تلك التي اُختطفت فيها جسداً ولمّا تزل روحك تسري كأشعة النهار في عروقنا، ولمّا تزل كلماتك الخضراء المضرجة بتوهج روحك، ملء لغتنا وأبجدية رصاصنا وكلماتنا، وأنت أنت من كنت المعادلة: الكلمات والرصاص، هكذا حاول الغزاة الاقتصاص منك لأنك السر في إلهام الثورة، ولأنك خلاصة الحكاية الفلسطينية المتجددة، فكيف لا تكون بهذا الخطر، لأنك كثافة فلسطين التي أرعبتهم طويلاً، وأقضّت مضاجعهم كثيراً.

لماجد، تنحني صباحاتنا الجديدة لتقول لك طوبى لروحك، لأنها الرصاصة في يد المحارب، وطوبى لخبزك المر، تراجيديا اليوميات الفلسطينية، والحلم والأمل والكفاح المضني، تراجيديا الفلسطيني المقاوم بالحق والخير والجمال، يا لسحر الشهادة حينما تُلهم الحياة بالحياة، لتأتي مثل أغنية تتصادى في السهول والوديان، وتصبح زيتاً يضيء، وراية تكبر، ورمحاً سامقاً.

إذاً، كنت المعادلة في اكتمال الحلم وشق صدر الظلمات، وأنت العائد حقاً، لوطن ظلّ هناك حارس الحلم، وحارس مجد الفدائي الأول، وقد كتبت سورك لنقرأ في ضوء أجسادنا تراتيلك البهية، ويصبح خبزك المر لحمنا في عراء الوقت والمسافات والملح، وطعم الصبر، وكم لهجنا بسطورك العارفات، وبلاغتك الواثقة بقيامات الروح، وأنت هنا حارس أبجدية الرصاص، من انحنت لك اللغة فطوعتها لنصبح يوماً على وطن يشبهك في معراجك وإسرائك، حينما يلقن الغزاة الدرس تلو الدرس، وكم كانت الأثمان غالية، لأنها فلسطين التي كلما قاتلنا من أجلها أحببناها أكثر، كما ذهب شاعر مقاوم اسمه عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى).

ولك ما تبقّى من مجد الحكاية في شرف الاستعادة، والوقوف طويلاً في محراب الذكرى الذاكرة، والكلمة الفعل، والوعي والرصاص، والفداء والخلاص، والمقاومة أو المقاومة، ذلك هو شرف المحارب، حينما يظل يفتتح نهاراتنا بحضوراته المشعة، النقيض للغياب كما كنت النقيض للصمت في زمن الثورة والضمير المسلح. وفي امتحان الغياب حضرت بكامل زيتونك الفلسطيني، لترمي في خصيب الأرض بذوره، لتورق الأرض من جديد، هذه الأرض الحُبلى بالشموس وما تخبئه الشموس، لتقوم النهارات كما عرفتها أنت عالية، وكيف يأتلف في اسمك البهي المجد والتوهج، ولعله الاسم ذاته في خلاصته الفلسطينية، من افتتح ولم يزل سفراً طويلاً مشى على أرض الجلجلة هناك، فمشت الأرض معه لمستقر لها، والأرض لا تكف عن الدوران، وهي من تعرف إلى أين يذهب الشهداء وعشّاق الأرض، والحالمون والساهرون هناك على التخوم، ليكتبوا لحظة ميلادك الأخرى أفقاً على تخوم الوطن، وفي قلوبهم مازال رغيفك يكبر ويكبر، ليصبح البلاد وخبزها، وقصصها التي كتبتها في ذروة صحوك لتقول لنا كم أنتم فلسطينيون بجدارة المقاومة، وكم أنتم مقاومون بجدارة فلسطين.

اثنان في سفر الحكاية: فلسطين وأنت، والشهداء الآتون من فجر وقتنا ومن فضة الروح لتظل أغانينا مترعة بلون حبرهم/ دمهم.

وحينما هتف شاعر رائي: صباح الخير يا ماجد.. صباح الورد، قم اقرأ سورة العائد.. وشدّ القيد.. على بلد حملناه كوشم اليد! صباح الخير يا ماجد.. صباح الخير والأبيض… قم اشرب قهوتي وانهض… فإن جنازتي وصلت.

لا لست سوى نهرٍ من الأجساد تجمعت في واحد، ويهتف الآن من يراك: يا أيها الحيُّ فينا، سلاماً من بلاد حَفِظتَ دروبها كأوردتك، وكان اسمك فتحاً مبيناً، وإبداعك الشهيد هو بشارة وطن، ولجسدك أن تنبجس فوقه الينابيع، لنظل نهتف:

بلادي.. بلادي..

جاوز الظالمون المدى.. فحقّ الجهاد وحقّ الفدا.

 

العدد 1102 - 03/4/2024