صحتنا النفسية.. مقوَد لذاتنا

وعد حسون نصر:

تُعتبر صحتنا النفسية من أهم جوانب الحالات الصحية التي نعيشها، لأن توازنها لا يقلُّ أهمية عن توازن صحتنا الجسدية، لذلك من الطبيعي جداً عندما نتعب نفسياً أن نشعر أننا مُرهقون جسدياً لا نستطيع القيام بأيّ عمل، لما لحالتنا النفسية من تأثير على صحتنا الجسدية، وخاصةً إذا كُنّا في حالة من الضغوط المُتعدّدة كحالنا نحن السوريين، بعد حرب آذتنا نفسياً وجسدياً، ويتفاقم تأثير حالات القهر، نتيجة النقص على كل الأصعدة (مادياً، عاطفياً، دراسياً، ومهنياً… الخ). وأكثر شريحة آذتها الحرب نفسياً هي شريحة الأطفال، لأنه ومن المعروف أن نصف أعراض الأمراض النفسية التي تُصيب الإنسان تبدأ بالظهور في مرحلة الطفولة، ومن الطبيعي أن نبدأ بملاحظة أنواع من الاضطرابات والأمراض عند أطفالنا خلال الحرب، كالقلق الذي يُعتبر الأكثر شيوعاً بينهم ممّا يولّد شعوراً داخلياً بالخوف والعصبية مع زيادة في سرعة نبضات القلب والتعرّق، واضطراب الانتباه وفرط النشاط.

ويعاني الأطفال من فقدان القدرة على التركيز أو اتباع التعليمات والإرشادات، إضافة إلى إصابتهم بالغضب أو الملل بسهولة، كذلك اضطراب السلوك، اضطراب الطعام، اضطراب النمو الشامل، اضطراب المزاج، الفصام أو الانفصام العقلي الذي يعني الإدراك المُشوّه للواقع، إضافة إلى اضطرابات التعلّم والاتصال، ما يؤدي إلى قيام الطفل بتصرفات لا تتناسب مع الواقع المحيط. هذه الأعراض قد يُلاحظها الأهل في حال وجود الطفل ضمن بيئة سليمة، ولكن هل أطفالنا اليوم جميعهم ضمن بيئة سليمة؟ طبعاً لا، لأن الحرب وما خلّفته من دمار وتشرّد جعلتهم عرضةً للقهر، للظلم، للذل، واغتصبت الحرب طفولتهم مثلما اغتالت ضحكاتهم وسلبت منهم الأمان، المنزل، الأهل، المدرسة، كل هذا وأكثر، ممّا أشعل نار القهر في نفوسهم البريئة، لذلك لابدّ أن نُعيد للطفولة ضحكاتها وصحتها النفسية كي تُشرق نوراً على أجسادهم وتُعيدهم للحياة وخاصةً أطفال الأزمة في مراكز التأهيل والإيواء، وفي المدارس أيضاً، وليكن ذلك من خلال السعي الحثيث وبكل الاتجاهات، لينشأ الطفل ضمن عائلة وبيئة تتمتّع بالاستقرار النفسي، ويكون توزيع الأدوار بين الأم والأب واضحاً في داخلها، كما يجب أن تتّجه المدرسة لتعليمه كيفية التواصل بالشكل السليم وتزويده بالمقدرة على المعرفة والتطوّر والتواصل الاجتماعي الصحيح، كما أن تنمية قدرات الطفل الذهنية والذاتية عبر اللعب له أهمية بالغة جداً في تعليمه المبادئ الحياتية الهامة. ولنترك للطفل حرية التعبير عمّا يعتريه أو يتفاعل بداخله وعدم كبته ليتمكّن من متابعة حياته والتواصل مع الآخرين بشكل سليم. وعلينا ألاّ نُعرّض الطفل للتعنيف المعنوي اللفظي خاصةً ألفاظاً مثل: أنت كسول، أنت قذر، أنت قبيح. وكذلك عدم تعريضه للعنف الجسدي، فكل هذا يُلحق أذى بشخصية الطفل.

إن تقديم المساعدة الكافية للطفل تُمكِّننا من اكتشاف قدراته ومواهبه. ولا ننسى أن نمنحه الاستقلالية، وأن يكون الثواب والعقاب عن طريق الحرمان من أشياء يُحبّها الطفل إذا أخطأ، وبالمقابل منحه شيئاً يحبه إذا أبدى حسناً، ويكون هذا بعيداً كل البعد عن استخدام أسلوب الضرب أو أيّة أساليب تتسم بالعنف. والأهم توعية الطفل جنسياً كي يتمكّن من احترام جسده وجسد الآخرين، وهنا يتمكّن من رفض الاعتداء عليه.

طبعاً إذا لم نتمكّن من إيجاد البيئة السليمة، وخاصةً بعد حربنا الشرسة لنا ولأطفالنا لا يمكن أن نتمتّع بصحةً نفسية سليمة تسير بنا نحو جسد سليم، فعبارة العقل السليم في الجسد السليم صحيحة، لكن الأكثر دقّة اعتبار الجسد السليم من النفس السليمة. فكلما كُنّا متعايشين مع الواقع المحيط كُنّا أكثر عطاء وإشراقاً وأجمل شكلاً ومضموناً.

العدد 1104 - 24/4/2024