عبث…

ريم الحسين:

سلسلة من التصريحات التي أثارت استغراب المواطنين السوريين وردت على لسان رئيس الحكومة السيد عماد خميس، بعد صمت دام طويلاً أمام الوضع الاقتصادي والمعيشي المتردي، وخصوصاً بعد الانخفاض الأخير في قيمة الليرة السورية وارتفاع الأسعار المرافق لهذا الهبوط الحاد.

السيد خميس يرى أنه إذا رُفع الدعم يمكن زيادة الرواتب حتى ٢٠٠ ألف ليرة سورية!! هذا الدعم الوهمي الذي جرى إغراق المواطن بالامتنان لوجوده، وبحسبة بسيطة نجد أن السلع المدعومة يقابلها سلع بأسعار باهظة مقارنة بدخل المواطن. يعني الدعم المزعوم عائد إلى (جيبة) الدولة مضاعفاً، والأهم بعد خطة التقشف في توزيع المشتقات النفطية، يبقى الخبز هو السيد الوحيد لهذا الدعم، وستقف لمدة ساعة أمام منفذ البيع في الفرن للحصول على عدد محدد أيضاً!

معك سيدي رئيس الحكومة! ارفعوا الدعم بشرط عدم رفع الأسعار، فهل أنتم قادرون على ضبط السوق؟! يعني ما الفائدة من زيادة الراتب ٤ أضعاف إذا كانت زيادة الأسعار تفوق هذه الزيادة، أم أن هذه حجة كما جرت العادة لعدم رفع الرواتب المتدنية، وعدم تنفيذ الوعود بزيادتها، التي كانت وما زالت حبراً على ورق، هذا الدعم هو الشماعة ويستفيد منه حيتان المال أيضاً!

في الدول التي لا تدعم قطاع التعليم أو الصحة أو النفط تكون الرواتب عشرات أضعاف راتب المواطن السوري. يعني توجد القدرة على مواجهة الأسعار مع العلم أن المنتجات النفطية ليست بهذا الغلاء، والقطاعات الأخرى على مستويات عدة تناسب جميع الدخول، لذلك عليكم جعل هذه الرواتب بالقيمة نفسها في تلك الدول، وعندئذٍ ارفعوا الدعم والأسعار، وهذا يحقق عدالة اجتماعية أكثر! واللافت أننا كان يُقال لنا إن من إنجازاتنا مجانية التعليم، واكتشفنا أنه في كل دول العالم يوجد تعليم مجاني حكومي، وتعليم قطاع خاص مثلنا تماما!

أما عن تصريح السيد خميس بأن المرحلة القادمة أصعب، ففي الحقيقة وجد بعض السوريين هذا التصريح بمثابة نكتة للضحك أكثر من الصدمة من هذا التصريح! فهل كنا في مرحلة الرفاهية والآن أصبحنا بالمرحلة الأصعب؟

والغريب أن مفاعيل الحرب على الاقتصاد بدأت بشراسة بعد القرب من انتهاء هذه الحرب تقريباً!

ولماذا يا سيدي؟ فقد طبّل المواطنون لكم على إشاعات البدء بمكافحة الفساد، فهل هي وهمية أيضاً؟ إذا تمت إعادة الأموال المنهوبة من كل الوزارات فقط دون حيتان المال فستمتلئ خزائن الدولة وجيوب المواطنين.

وهل الأصعب من كل هذا الحرمان المرعب للمواطنين أن يخلع الشعب ثيابه في نهاية المطاف؟ هل هي الأصعب لأن خزائن الدولة نُهبت ولم يعد بإمكان الدولة! متابعة شؤون مواطنيها؟ وهل تعلم سيدي أن الراتب يكفي خمسة أيام فقط في الشهر؟ ألا تتساءلون كيف يعيش الشعب؟ أم تنتظرون ارتفاع نسبة الجريمة والفساد المرتفعة أصلاً حتى يتبين لكم أن الشعب في أدنى حالات الظروف الإنسانية للعيش؟

إذا كانت هذه الحكومة غير قادرة على إيجاد الحلول، فلتفسح المجال لمن هم على خبرة وجهد وأمانة أكبر، على أن تكون الحكومة الجديدة مختارة بعناية على عدة مبادئ أهمها النزاهة، فربما تستطيع أن تفعل شيئاً اتجاه الوضع المعيشي المتأزم، وأن تضع حداً للفساد الكبير المخيف المسيطر على معظم مفاصل الدولة.

الفقر مفتاح الجريمة، وفي كل يوم تنتشر جرائم غريبة عن مجتمعنا وبهذا الكمّ الهائل، فكيف سنبدأ إعمار وطن عاثت فيه الحرب خراباً ومازال أسياد الفساد وتجار الموت والحرب يتربصون بلقمة عيش الشعب السوري؟!

لأجل الشهداء فقط، لأجل دمائهم التي سالت على هذا التراب ليبقى طاهراً مقدساً، أرجوكم كفى تلويثاً لهذا الشرف وهذا التاريخ بأن تذهب تلك التضحيات سدى.

المجد للشّهداء، حماة الدّيار عليكم سلام.

العدد 1102 - 03/4/2024