صراع السعادة والحياة

غزل حسين المصطفى: 

– لم أرَ يوماً أحداً يرقص مع مقص. نعم، كان يرقص بأصابعه مع مقصاته الحديدية تلك، لم أقبل مغادرة دُكّانه الصغير، وقفتُ أراقبه، أكادُ أُقسِمُ إن نظاراته السميكة تلك لم تعد تصلح لتكون عوناً له، لكن إنجازه يحدث عن إتقان لا يُضاهيه إتقان آخر، لم أستطع إلاّ أن أحاول استراق السمع لصوت عروقه البارزة تلك، كنتُ أرسمُ تفاصيله بنظري. لا أدري كيف تسابقت أسئلتي: يا عمّ منذ متى وأنت تعمل خياطاً؟

ضحك، وكأن سؤالي نفض الغبار عن تُحفة قديمة كانت ضائعة ووجدها أخيراً وقال: لا أذكر، ربما أطلقتُ صرختي الأولى وأمسكتُ المقص بعدها!

– الرضا والحب في بقية حديثه جعلني أتمنى ألاّ أغادر المكان، ودِدْتُ لو سألته عن كل التفاصيل التي تخصّه.

عدت والأسئلة تغزو جمجمتي وأنا أتابع طريقي، كيف لبساطة كهذه أن تُعطيه كل الرضا، وصديقتي العشرينية تدخل في نوبة اكتئاب وصراع مع تقبّل الحياة لمجرد أن رأت كابوساً أو اعتلت بشرتها بثور، شتان ما بين الصورتين!

والسؤال: كيف نختار إطار الحياة الخاص بنا؟

هل تُقلب المسارات بشكل إرادي؟

هل طُبعت أيامنا مُسبقاً والأدوار موّزعة علينا بأن نعيش الدور فقط حتى ينتهي المسار؟

برأيي، قد نُحرم من بعض الألوان حين نقف لنرسم لوحة الحياة الخاصة بنا، ولكن بعض الناس يجدون في ذلك مشكلة كبيرة تسبب لهم خللاً في التوازن، على عكس بعضهم ممّن يحمدون وجود الألوان أساساً، ويلونون عالمهم بطريقة تلبي حاجتهم للحياة ويكملون المسار إلى النهاية بحب.

هي معركة غير عادلة، عليك أن تُراوغ وتُحسن إتقان دورك، فربما تُعاقب على جحودك وتُجرّد من كل شيء فتبقى عرضة لكل طعنة!

من أراد الحياة عليه أن يُتقن فنّ الكرِّ والفرّ، يحمل السيف بيمينه مُحارباً، وفي يساره عنقود عنب أو زهرة حمراء، فتعميم حالة معينة سيحرمنا من تذوق ما تبقى لنا من قدح العمر.

أعترف بأني أتخذُ التفاؤل مذهباً في حياتي، لا أُعكّر صفو ابتسامتي بشيء، أرقص مع أول نغمة موسيقية للصباح. هذا لا يعني أنني لا أبكي، ولكنّي لا أتمسك بالغيمة السوداء، أستمطرها لتزول وأعطي الحق للشمس في أن تعانق عظامي.

اعترفُ أنني منذ الحرف الأول في هذا المقال وحتى الآن تُصارع خلايا دماغي كلمات أغنية تختصر الحديث: (الحياة حلوة بس نفهمها!).

العدد 1102 - 03/4/2024