أنثى بكل المعايير

غزل حسين المصطفى: 

ورغم أن بعض الحناجر تكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة في سباقها مع الزمن، تُنادي بكل ما ملكت من قوة حتى يصير الصوت مسموعاً، وتتشابك الأيادي لتُفتح النوافذ لأراوح أنثوية تعيش في قفصٍ حديدي تُمنع عن أبسط حقوقها وتستغيث، هناك بالمقابل بعض إناث ممّن راقت لهنّ حياة مرسومة ومسبقة الصنع لا تحتاج أيٌّ منهنّ إلى أي جهد أو طاقة خارج الإطار الذي ترعرعت عليه بكل رضا وقناعة، مؤمنة كل الإيمان أن أصابعها خُلقت لتلبس الذهب، وجيدها ما كان إلاّ نحيلاً يتراقص على أنغام موسيقا شرقية، كلمة (حاضر) أو (أمرك) هي المفتاح ولا سبيل للنقاش مهما كان الأمر!
وذلك الرجل حمّال الهموم يتلقف الصعاب وحده إن نازع حرارة الشمس ونار المناخ، لا مشكلة فهو قد خُلق ليكون صلباً يعارك ويعود في آخر نهاره لمنزله حيث تستقبله أنثاه تلك.
ما المبرر الذي يدفع تلك الأنثى لتقبل بحياة لم تقبلها غيرها، والمشكلة حين تجلس وسط جلسة نسائية تُباهي بحالها وبالرفاهية التي تعيش، في حين تجد لطخات الشمس على وجه صديقتها الموّظفة محطّ سخرية من قدر حرمها أن تكون أنثى بكل المعايير!
نعم ، ترى حالتها صحيّة للغاية لأنها تُعبّر عن خصوصيتها.
ما مدى تأثير ثقافة الولاء عليها؟
كم كانت والدتها حافظة لدرسٍ قد نشأت عليه واستطاعت بكل قوة أن تغرس أفكارها في ابنتها لتواصل الأخيرة عملية النقل للأجيال المتلاحقة!
لم أسمع بعصفورٍ قد قُصّ جناحه وقبِل بذلك، بل قد يموت غيظاً لأنه ذاق طعم الحرية في السماء حين قبّلت جناحيه.
أرى أن القضية لا تحتاج إلى كثير من التوصيف، فنحن نراها في حياتنا اليومية. فتلك الأنثى التي توافق بكل قواها العقلية على الحبس وقد وقّعت صك التخلي عن كامل حقوقها كما نصّ عليها المجتمع، فقد قيل لها إن الحرية خطيئة، وإن الخطيئة قد تُجرّدها من ثوب عفّتها وما إلى ذلك من ارتباطات لبعض المفاهيم والأفكار، والمشكلة أن البعض لا يرى في ذلك مشكلة.
كيف والأعباء المادية تتزايد ونحن نحتاج إلى شراكة الطرفين لنبني؟

كيف، ونحن نؤسّس لكياننا الثابت في منعزل عن ريح غريبة تحاول أن تقتلعنا بشتى السبل ومختلف الذرائع، فالعمل والعلم للأنثى حق وليس جريمة.. العمل والعلم للأنثى جناح وليس مشنقة!؟

العدد 1104 - 24/4/2024