ثورات رقميّة .. وثورات دمويّة

ريم الحسين:

كشفت (فيس بوك) عن خطة لإنشاء عملة رقمية ونظام مالي جديد لتحويل الطريقة التي يتحرك بها المال في جميع أنحاء العالم، وليس فقط في تطبيقاته الخاصة.

ذلك أن (فيس بوك) يجعل إرسال النقود احول العالم أسهل، مثل إرسال الصور ومقاطع الفيديو والنصوص والعناصر الأخرى وتبادلها على منصتها وتطبيقاتها.

وصرح مارك زوكربيرغ (مؤسس فيس بوك ومالكها) عن أن العملة الرقمية التي سيتم تداولها تدعى ليبرا (Libra).

قبل الحديث عن العملة الرقمية الجديدة، هذه لمحة سريعة عن العملات الرقمية، ومن ضمنها أيضاً العملات المشفرة.

العملات الرقمية هي الأموال المستخدمة على شبكة الإنترنت وهي أموال رقمية موجودة على شكل أرقام. ليس لديها ما يعادلها مادياً في العالم الحقيقي. وللعملات الرقمية كل خصائص المال التقليدي، تماماً كما الأموال المحلية، يمكنك الحصول عليها، ونقلها أو تبادلها بعملات أخرى. يمكنك استخدامها لدفع ثمن السلع والخدمات، مثل تعبئة حسابات الهاتف والإنترنت، الشراء عبر الانترنت، دفع ثمن الفواتير. فالعملات الرقمية ليست لها حدود جغرافية أو سياسية. فقد يتم إرسال المعاملات من أي مكان وإلى أي نقطة في العالم. ويمكن اعتبار الحسابات الرقمية والمحافظ على أنها ودائع مصرفية.

والعملات المشفرة أو (Cryptocurrencies) هي مجموعة متنوعة من العملات الرقمية ولكن مشفرة لها نظامها الخاص، العملات المشفرة هو أصل يستخدم كوسيلة للتبادل. ويعتبر موثوقاً لأنه يستند إلى نظام مشفّر معقد مؤسَّس على علم التشفير. واحد من الأهداف الأساسية علم التشفير هو جعل الاتصالات آمنة ومحمية. إنه يخلق ويحلل خوارزميات وبروتوكولات تسمح بتشفير البيانات بحيث لا يتم تغيير أي معلومة كيف ما كانت نوعها، ولا تسمج بأن يطلع عليها الأطراف الثالثة. التشفير هو مزيج من عدد كبير من العلوم المختلفة، فعلم الرياضيات يعتبر العلم الأساسي في التشفير. الرياضيات هي المسؤولة عن موثوقية الخوارزميات والبروتوكولات المشفرة.

العملات المشفرة لها نظام وبروتوكول يسمى (البلوكشين) أو دفتر الحسابات الرقمي اللامركزي. وهذا يعني أنه لا توجد سلطة ثالثة تتحكم في جميع الإجراءات والمعاملات والتحويلات والإرسالات في الشبكة.

هناك عدة أنواع من العملات الرقمية والتي تعد (بيتكوين) أشهرها و(الأيثروم) و(الريبل) وغيرها، البيتكوين، أشهر عملة إفتراضية في العالم، ويبلغ حجم سوق البيتكوين تقريباً 233 مليار دولار أمريكي، الإيثريوم، ثاني أشهر عملة رقمية و افتراضية في العالم، ويبلغ حجم سوق الإيثريوم تقريبا 46 مليار دولار أمريكي، الريبل، وهو يعتبر ثالث أهم وأشهر عملة إلكترونية في العالم، ويبلغ حجم سوق الريبل تقريبا 11مليار دولار أمريكي، بعد ذلك تأتي باقي العملات الرقمية.

يوجد الكثير من العملات الإلكترونية مطروحة للتداول الآن في سوق الفوركس، والأمر في تزايد هيستري، نتيجة قانون العرض والطلب، ذلك أن سعر البيتكوين على سبيل المثال في ديسمبر 2017 تعدى الـ 17 ألف دولار أمريكي، وبما أن عدد البيتكوين الذي يمكن إنتاجه هو 21 مليون وحدة فقط، يجعل التنافس عليه كعملة أو منتج يتداوله عموم المستثمرين.

 

كيف تعمل هذه العملات؟

العملات الرقمية وتحديداً البيتكوين هي عملات لا مركزية، أي لا يمكن لحكومة أو مؤسسة ما أن تتحكم في إنتاج المزيد منها.

ولكن كيف يتم التحكم في العملات الرقمية؟

يتم التحكم في العملات الرقمية عن طريق تكنولوجيا سلسلة الكتل (Blockchain) التي ذكرت سابقاً، وجرى تعريف سلسلة الكتل في كتاب (ثورة سلسلة الكتل – Blockchain Revolution) على يد الكاتب (دون تابسكوت) وأخوه على أنها عبارة عن دفتر حسابات إلكتروني غير قابل للتلاعب به للمعاملات الاقتصادية التي يمكن برمجتها، ليس لتسجيل المعاملات المالية فقط، بل لكل شيء له قيمة.

بمعنى أن كل تعامل اقتصادي أو مالي يحدث على النظام يتم تسجيله وتشفيره في كتلة، وربطها بالكتل الأخرى لتكوين سلسلة الكتل.

ربما البحث بمفهوم وآلية عمل العملات الرقمية يحتاج إلى شرح أكبر وسلسلة حلقات حتى يتمكن القارئ من الإحاطة بكل ما يتعلق بها بشكل كامل.

وبالعودة إلى (ليبرا) التي ستحدث ثورة في مجال العملات الرقمية والتداول فماعليك إلا أن تتخيل وأنت بيومك المعتاد تتصفح الفيس بوك تستطيع من خلاله أن تقوم بشراء كل ما تحتاج إليه من سلع وخدمات، أن تشتري طعامك وتطلب سيارة أجرة وما إلى ذلك من احتياجاتك وأنت ضمن التطبيق تمارس نشاطك المعتاد عليه، وذلك عن طريق عملة فيسبوك الجديدة (لبيرا).

ليبرا سيتم اطلاقها وتدوالها في عام ٢٠٢٠ وكان للإعلان عنها بداية قوية حتى الآن أكثر من ٢٨ شركة تدعم هذه العملة الجديدة منها (الفيزا، الماستر كارد، الإي بي، اوبر،ستريب …وغيرها) وسيصل بحسب التسريبات خلال فترة قصيرة إلى أكثر من ١٠٠ شركة وهؤلاء سيشكلون بمجموعهم جمعية ليبرا غير الربحية وسيديرونها أي أنهم البنك المركزي لهذه العملة.

هذه العملة ليست عملة رقمية عادية ولا تشبه العملات الرقمية الأخرى، بل تختلف عنها بمميزات غير موجودة بالبتكوين مثلاً وهي أن هذه العملة لديها غطاء نقدي ولن يكون الغطاء هو الدولار أو اليورو، وإنما مربوطة بسلة من العملات العالمية، إضافة إلى سلة من سندات الخزينة والمعروف عنها بأنها أصول ذات مخاطر قليلة، فالتقلبات بالعملة ستكون بسيطة أي أنها محمية من المضاربات العالمية، من جهة أخرى ما يميز ليبرا أنه لا يوجد محدودية لمقدار العرض منها، فعندما نتحدث عن معظم العملات الرقمية الأخرى دائماً ما نتحدث عن كمية محدودة منها معروضة في السوق، بالنسبة لفيسبوك الأمر مختلف ستستطيع في أي وقت إصدار المزيد من عملتها، وهذا أيضاً يحميها من التقلبات.

الهدف الأساسي من هذه العملة هو إرسال الأموال عبر تطبيقات المسنجر والواتس اب وذلك عن طريق الإنفاق عبر الإنترنت، فأي شخص يريد أن يكون لديه ممتلكات من عملة الليبرا سيكون لديه ما يعرف بالمحفظة الإلكترونية التي يستطيع من خلالها الاحتفاظ بهذه العملة، وستعمد شركة فيس بوك إلى إنشاء صراف آلي للتحويل بين العملات من ليبرا والعكس.

هذه المحفظة الالكترونية ستكون محفظة (كاليبرا) الرقمية، ذلك أن فيس بوك ستقوم بتخزين البيانات الخاصة لمستخدمي ليبرا على منصات كاليبرا، وهي تختلف عن المنصات التي تخزن عليها بيانات المشتركين على فيسبوك، وهي بذلك تقوم بفصل قاعدة بيانات مستخدمي ليبرا عن قاعدة بيانات مستخدمي فيس بوك.

العملة ستستخدم لتسديد المدفوعات والتجارة والتطبيقات والألعاب وستوفر رسوم تحويل الأموال لكل الأشخاص الذين يقومون بتحويل الأموال عبر شركات التحويل مثل الويسترن يونيون. القيمة الإجمالية لهذه الرسوم يصل سنوياً إلى ٢٥ مليار دولار، وبحسب فيسبوك توفر وسيلة أرخص لتحويل الأموال وتشمل أيضاً المستخدمين الذين لا يملكون حساباً مصرفياً أكثر من ١.٧ مليار شخص حول العالم لا يملكون حسابات مصرفية وهم عملاء محتملين مستهدفين من قبل الشركة.

وقد أخذت خطة فيسبوك لإطلاق عملتها الرقمية (ليبرا) تثير مخاوف حقيقية بشأن الخصوصية، إذ يعتبر بعض المنتقدين أنها قد تكون أكثر أشكال التجسس انتهاكاً وخطورة التي قد تعمد إليها عملاق التكنولوجيا الأمريكية فيسبوك.

ويعتقد بعض المحللين أن البنوك الكبيرة تشعر بالخوف من عملة ليبرا وأنها قد تؤدي إلى إسقاط النظام المصرفي العالمي، على الرغم من أن النظام المصرفي تطور على مر القرون.

وتصر البنوك الكبيرة على أن أياً منها ليس جزءاً من الدائرة التأسيسية لعملة ليبرا.

 الشكوك تمتد إلى الحكومات، ويعتريها قلق كبير، إذ (كيف يمكن لأي دولة واحدة أن تنظم أو تشرف على عملة ليس لها حدود، والتي يمكن استخدامها على الفور، من هاتف إلى آخر، وفي شركة ما زال يسيطر عليها رجل واحد؟).

ويحذرون من أنه إذا نجحت ليبرا وأصبحت العملة الفعلية على الإنترنت (فسوف نحتاج إلى وضع إيماننا وثقتنا وأمننا المالي في أيدي فيسبوك).

يذكر أن سهم فيسبوك من الأسهم الأفضل أداء بقطاع (FAANG) منذ بداية العام صعد إلى أكثر من ٤٠ بالمئة، وهذه العملة الرقمية ستكون مصدر دخل جديد للفيسبوك بعيداً عن إيرادات الإعلانات التي بدأت تشهد ثباتاً في الفترة الأخيرة.

هامش (١):

وبينما ينشغل العالم بتطوير التكنولوجيا إلى أقصى الحدود وإحداث طفرات وثورات ينشغل عالمنا الثالث بإنتاج المزيد من طفرات التخلف والفقر والهمجية وثورات الدّم والخراب.

هامش(٢):

صرح حاكم مصرف سورية المركزي السيد حازم قرفول: الارتفاع الأخير للدولار هو ارتفاع وهمي والهدف منه خلق التوتر في سوق القطع الأجنبي!

لن تجد قاعدة اقتصادية واحدة على هذا الكوكب ولا حتى فيما يتعلق باقتصاد الأزمات والحروب ولا باحث أو محلل اقتصادي ولا حتى فلكي أو مشعوذ قادر على فهم وشرح ما يحدث في اقتصاد هذا البلد.

المجد للشّهداء، حماة الدّيار عليكم سلام.

العدد 1104 - 24/4/2024