بالاختلاف.. نسمو ونتطوّر

إيمان أحمد ونوس: 

التنوّع والاختلاف سمة من سمات الارتقاء والتطوّر البشري على مرّ التاريخ، ولولا هذا الاختلاف والتنوّع بين عموم الشعوب بثقافاتها وحضاراتها وعلومها، لما وصلت الحضارة الإنسانية اليوم إلى ما هي عليه من تطوّر طاول شتى أنواع العلوم والحياة بكل اتجاهاتها.

ومن هنا، يُعتبر التشابه في غير موضعه وضرورته سمة من سمات الموت البطيء والاندثار شيئاً فشيئاً بالنسبة لكل الشعوب، وهذا ما لمسه أو عبّر عنه علماء الآثار والتاريخ والاجتماع عند دراسة بعض الشعوب والحضارات التي آلت إلى التلاشي والاندثار في الماضي السحيق من تاريخ البشرية. ذلك أن التشابه والتوافق في قضايا ومسائل تتّصل بالسيرورة والديمومة لا يمكن أن يرتقي سواء بالإنسان أو العلوم أو الفنون أو سواها من أنشطة إنسانية. وهذا بالتأكيد ينطبق على الإنسان في محيطه الضيّق مثلما ينطبق على المجتمع أيضاً، فكلما كان هناك تنوّع واختلاف بين أفراد المجتمع أو مكوّناته، كان مجتمعاً مُنفتحاً على مختلف أوجه الحياة، ذلك أن الاختلاف يمنح الناس قيماً ومعارف وثقافات موجودة عند الآخر، ويتمّ اكتسابها رويداً رويداً ما يؤدي إلى سموّ وتنوّع الثقافات وما يشابهها، وهذا بالضبط ما كان إحدى إيجابيات المجتمع السوري وما يزال، باعتباره مجتمعاً قائماً على التنوّع الاثني والعرقي والقومي والديني وحتى الطائفي في الدين ذاته ما منح سورية سمات لم تحُزها غالبية المجتمعات البشرية، وهذا بالتحديد ما كان سبباً أساسياً في أنها قبلة الشعوب سياحياً وتراثياً وتاريخياً كونها مهد الحضارات، وفي الوقت ذاته هو ما جعلها مركز ثقلٍ حرّك نوازع العدوان ضدّها لدى بعض الحكومات التي أجّجت منذ القدِم وما زالت تؤجّج الصراعات والنزاعات الحالية، فساهمت، منذ تسع سنوات، مع العديد من الأسباب الأخرى بنشوب حربٍ كارثية- عبثية لم يشهد التاريخ لها مثيلاً.

واليوم، وبعد تسع سنوات من الخراب والموت والدمار، لا يمكن للسوريين النهوض من قاع ومستنقع تلك الحرب إلاّ بالحوار مع الآخر الذي اعتبر نفسه خصماً للآخر الذي لا يقلُّ عنه خصومة وعداوة. كما لا يمكن لسورية أن ترتقي وتسمو بعد كل ما جرى إلاّ بتبني سياسات مبنيّة على ميزة الاختلاف والتنوع المجتمعي عبر دستور وطني يشتمل على حقوق متساوية وقائمة على مبدأ التعددية والعلمانية والمواطنة الحقيقية كي تعيد لها ولشعبها المكانة التي تليق بها كمهد للحضارات عبر التاريخ، وهذا هو بالضبط ما عبّر عن الدكتور الطّيّب تيزيني بقوله:

(إنّ قيمتك تأخذها من الآخر الّذي يُخالفك، وليس ممّن يوافقك الرّأي، وعندما تفقد خصمك تفقد ذاتك).

العدد 1104 - 24/4/2024