خفايا البطاقة الذكية.. وتنشيط “السوداء”

سليمان أمين :

في الأزمة المعيشية التي عشناها في ثمانينيات القرن الماضي رغم كل قساوتها ، لم نشعر بالذل وبهدر كرامتنا، كما يحدث اليوم، كنا نقف بالدور على المؤسسات الاستهلاكية لنحصل على المواد الغذائية والمكملات المنزلية الأخرى، أما اليوم فما يحدث لا يمكن وصفه سوى بهدر كرامات المواطنين و(مكافأتهم) لأنهم بقوا في بلدهم الأم. هذا ما قاله لنا العم أبو عارف، وهو أستاذ متقاعد، مكملاً حديثه بالقول: في الثمانينات رغم كل الحصار الذي عشناه، كانت مواد الغاز والمازوت والبنزين والكهرباء متوفرة، لكن ما يحدث اليوم هو سوء إدارة وفساد تراكم لسنوات طويلة، وإن بقي الحال دون تغيير فسيكون الأسوأ.

حال العم أبو عارف كحال كل المواطنين السوريين، فهو يقف منتظراً لنهار كامل ليحصل على بطاقته الذكية، ووفق ما قاله لنا معظم المواطنين  فإنهم منذ يومين يأتون إلى المركز المخصص ليحصلوا على البطاقة ولكن لا يحالفهم الحظ أبداً فيعودون في اليوم التالي، فعدد المراكز قليل جداً في اللاذقية.

أثارت البطاقة الذكية الكثير من النقد والاستهجان والتساؤل خلال الأسابيع الماضية، فمنهم من وصفها بأنها بديل عن بطاقة التموين الذي كانت سابقاً، ولكن بشكل جديد وسيئ، ومنهم من قال عنها بأنها نوع أخر من التعذيب والذل، أما البعض الأخر فكبح غضبه وصمت، ونحن تساءلنا: لماذا البطاقة الذكية اليوم؟ لماذا يتم التضييق على المواطنين أكثر؟؟  وما الذي تحمله البطاقة لمستقبل من بقي في الوطن؟ وبالبحث  في التفاصيل وصلنا إلى بعض الإجابات التي يمكن أن تكون بداية للحصول على توضيحات جلية للقادم.

 

بنك معلومات بإحصاء دقيق

البطاقة الذكية مشروع جديد لم نعرف سوى بعض التفاصيل الصغيرة عنه بالبحث في متاهته الطويلة، إذ يعتبر مشروع البطاقة الذكية متكاملاً منفصلاً تماماً عن مشروع الأمانة السورية للتنمية، هدفه الأساسي الحصول على استبيان واضح لعدد الأسر الموجودة في البلد، من خلال جمع البيانات التي يتم الحصول عليها من المواطنين، فضمن الأوراق الأساسية للحصول على البطاقة: بيان عائلي، يحصل عليه المواطن من السجل المدني ويتم إدخال بياناته عبر الحاسب، ليتم بالنهاية الحصول على رقم إحصائي للسكان وتوزعهم في كل محافظة. كما يعمل المشروع أيضاً على إحصاء عدد مالكي السيارات وغيره الكثير من الأمور التي تدخل حيز الإحصاء والجغرافية السكانية. ويمكن القول بأن المشروع اليوم في خطوته الثانية وإجبار المواطنين الذين لم يهتموا بموضوع المحروقات وحاجتهم للبطاقة الذكية، بتطبيق الحصول على الغاز وفق البطاقة، مما أجبر معظم المواطنين على الإسراع للحصول على البطاقة، ما سبب ازدحاماً خانقاً جداً، ولا نعرف ما تحمله الخطوة الثالثة من المشروع بعد، وخصوصاً بعد أن نفت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ما تم تداوله بأن الخبز سوف يوزَّع باعتماد البطاقة الذكية.

كما أن حصول المواطنين على البطاقة يتطلب أوراقاً من السجل المدني وطوابع، عمل على رفد خزينة الدولة بمبالغ كبيرة، مثال تكلفة أي بيان عائلي 400 ليرة سورية، إضافة إلى الطوابع، وكل هذه الأموال تذهب للخزينة .

 

إنعاش السوق السوداء وتحريكها علنياً

الوجه السلبي لتخصيص كمية الغاز والمحروقات للمواطنين بالسعر المدعوم كما تصفه الحكومة، هو إيجاد سوق حرة للبيع بأسعار عالية وغير مدعومة، أي سوق سوداء كما هو متعارف عليها، وهذا قد لاحظناه بتوفر مادة المازوت والبنزين ولكن بأسعار أعلى من سعر الكمية المخصصة للمواطن، ويمكنه الحصول على ما يريد بالسعر الحر، وكذلك سيكون وضع الغاز في القريب، بتوفير المادة لكن بأسعار أعلى من السعر الحالي الذي يمكن أن يصل للضعف، فالغاز متوفر اليوم ولكن بأسعار مرتفعة جداً وصلت لأربعة أضعاف ، أي تم تنشيط بيع الغاز في السوق السوداء وبإمكان أي مواطن قادر على الدفع أن يحصل على ما يريد من الغاز و في الوقت الذي يريده! وما قصة( اشتكي يا مواطن على من يبيعك بسعر أعلى ) سوى وهم كبير يعيش ضمنه المسؤول والموظف، فالمواطن اليوم ليس غبياً ليصدق ما يجري التصريح به، فهو تعب من كثرة التجريب وعلم ما تخفيه تصريحات المسؤولين.

ختاماً   هناك من وصف مشروع البطاقة الذكية وربطه بإعادة تنشيط الاقتصاد، لا يسعنا سوى القول إن الاقتصاد يقوم على تنشيط المشاريع التنموية كالزراعة والصناعة والعمل على العودة للاكتفاء الذاتي، وفتح باب الاستثمارات واحترام العمل وتقديسه وتوفير للمواطنين أبسط حقوقهم، فتنشيط الاقتصاد ليس بتجويع المواطنين وحرمانهم من حقهم بالتدفئة والكهرباء وصنع الطعام لأطفالهم.

العدد 1104 - 24/4/2024