وأفطرن بصلاً !
ديمة حسن:
بعد صيامهن ستة وستين عاماً، كانت هذه حال النسوة في بلادي ممن انتظرن كل هذه العقود، وهن يأملن بقانون ينصفهن في بلاد تتغنى بنسائها في كل المحافل، وتتباهى بوصولهن إلى مراكز قيادية عليا كحالات فريدة عن البلدان المجاورة.
فجاءت التعديلات الأخيرة لقانون الأحوال الشخصية صادمة، ولا ترقى إلى طموح النساء التقدميات الراغبات بالتحرر والمساواة، فهي تغييرات شكلية بمعظمها، إذ تم تغيير المصطلحات وتفسير ما بين السطور في بعض مواد القانون القديمة، بما يحقق الغاية القديمة ذاتها، فشرط العمل وعدم الزواج بأخرى مثلاً كان موجوداً ضمن مادة تتيح للمرأة الاشتراط بالعمل والتعليم وعدم الزواج عليها وأي شرط لا يخالف الشرع ومقتضى الزواج كعدم الإنجاب وعدم المعاشرة.
اما فيما يخص رفع سن أهلية الزواج للثامنة عشرة فهو أمر ممتاز لولا إتباعه بالمادة الصادمة التي تجيز للقاضي تزويج من كانوا بعمر خمسة عشر عاماً في حال قناعة القاضي باحتمال جسميهما وصدق دعواهما ومعرفتهما بالحقوق الزوجية، وأي معرفة بتفاصيل الحياة الزوجية ومشاقها هذه التي يمكن لأطفال بعمر خمسة عشر عاما إدراكها؟! دون ذكر ما يحتويه ذلك طبعاً من مخالفات للقوانين الدولية المتعلقة بالأطفال وحماية الطفولة.
وقد حافظ التعديل على الكثير من المواد القديمة بسوئها وانتقاصها من حقوق المرأة بشكل واضح كالشهادة والميراث وغيرها.
والجدير بالذكر أن مشروع تعديل القانون هذا لم يطرح للنقاش الشعبي ولم يسترشد بآراء كثيرين وكثيرات من المختصين والنشطاء والعديد من الجهات المجتمعية والأحزاب والقوى ممن كان هذا القانون محوراً لنقاشاتهم ومطلباً أساسياً من مطالبهم للتغيير.
وقد أُشيع أن التغييرات الحاصلة لم تكن لتحدث لولا الضغوط الدولية وليست بقرار داخلي راغب بالتغيير، وسواء كانت هذه الإشاعات صحيحة أم لا، فإن ذلك لن يغير شيئاً، فالتعديلات هزيلة وهشة قدمت بطريقة سريعة دون مشاركة شعبية وجماهيرية في تعديل واحد من أهم القوانين التي تعنى بالتفاصيل اليومية لحياة الأفراد عامة والنساء خاصة اللواتي يتعرضن للظلم المباشر في هذا القانون.
فلم يكترث القانون بالمرأة السورية وتضحياتها على كل الأصعدة في هذه الحرب الطاحنة.
لم ينصفك، أيتها الأم، أيتها الزوجة والأخت والصديقة، أيتها الرفيقة والمقاتلة والشهيدة! أنك حللت مكان الرجل في كثير من الأحيان والمواقع والمسؤوليات، لأسباب فرضتها العديد من الظروف المتعلقة بالحرب التي تشهدها البلاد.
لم ينفعك عملك داخل المنزل وخارجه، لم ينفعك ما صارعته من بؤس وحرمان، كما لم ينفعك علمك أو ثقافتك في تحصيل حقوق هي من البديهيات في مجتمعات تقدر أهمية المرأة ودورها في بناء الإنسان والوطن.
أما أنت، عزيزتي القاضية أو المحامية في أهم المحاكم السورية، فشهادتك كشهادة غيرك من نساء البلاد بنصف شهادة أي رجلٍ، مهما علا أو دنا شأنه أو فكره، أيقبل العقل كل هذا التتاقض؟! إن مساواتك بالرجل حقٌّ كفله الدستور عندما ساوى بين المواطنين جميعاً، والقوانين المعمول بها تخالف الدستور بشكل واضح، إذ تكرس التمييز الجندري في المجتمع كل يوم بدلاً من أن تكون رافعة لراية المساواة ومطبقة لمبادئ الدستور.
فتحرمين من نصف ميراثك، من جنسية أبنائك عند زواجك من غير سوري، تحرمين من زواجك ممن تحبين، لاختلاف الأديان، استناداً إلى قوانين (شرعية) في بلد تسمعين فيه كلمة علمانية في اليوم عشرات المرات، وتطول قائمة الحرمان لمجرد كونك أنثى.
إن النظر إلى هذا التعديل على أنه إنجاز عظيم والاكتفاء به سينعكس سلباً على كل النساء في البلاد، أما إذا اعتبر مجرد حجر صغير في الجدار الذي يعزز مكانة المرأة ويكفل حقوقها كاملة دون نقصان، عند ذلك فقط يمكن اعتباره خطوة إيجابية على الطريق الصحيح، بشرط ألا نصاب بالشلل بعده وننتظر نصف قرن آخر لنخطو الخطوة التالية.