الكهرباء ومآسيها

تعددت الحرائق في أحياء دمشق، والسبب في أغلبه واحد: ماسات كهربائية، إساءة استخدام الكهرباء!

لم نكد ننسى حرائق سوق الهال والمزة والحميدية والمرجة التي حدثت في بداية التقنين، حتى عادت هذه المرة لتصل إلى حرائق منازل السكان. انقطاعات الكهرباء المفاجئة (فضلاً عن الجهل بمواعيد التقنين وكأنه من أسرار الأمان الوطني)، من دون تنظيم، وعودتها بتيار ضعيف ثم ارتفاعها فجأة خلال ثوان.. انقطاع وعودة عدّة مرات للتيار الكهربائي الذي يحمل أساساً ضغطاً كبيراً بسبب استخدام الناس للكهرباء في وقت واحد عند ساعات التغذية لينجزوا الأعمال المنزلية، بما يشمل التدفئة لسكان المنزل والغسل والكي والتنظيف والاستحمام والإنارة للطلاب في مدة وجيزة كالسباق، تؤدي إلى تفجّر أدقّ الأسلاك في المدافئ الكهربائية وحتى السخانات، وكل تلك البدائل جاءت لغياب ما كان يستخدمه الناس للتدفئة سابقاً. وأصبحت تشعل حرائق بالجملة في المنازل تلتهم السكان بتعذيب أشد من القتل بالرصاص، الموت حرقاً حتى الرماد!

هل نحن بحاجة إلى التقنين؟

لنرَ!

جاءت الإحصائيات عن كل بلدان العالم التي تأتي كل سنة بناء على دراسات أو استبيانات قادمة من الوزارات في مختلف الدول، لتقول بأن سورية تنتج ما مقداره 16 مليار كيلو واط ساعي الآن، وإنها تستلك عند التغذية الكاملة 14 مليار كيلو واسط ساعي، ما أهّل البلاد لتكون بمرتبة متقدمة في نهاية عام 2018 من حيث إنتاج الكهرباء. قبل الحرب كانت سورية تنتج 34 مليار كيلو واط ساعي، وكانت في المرتبة الـ58 عالمياً، بل وكانت تصدر من هذه الكهرباء سنوياً سابقاً وحالياً، ذلك أنها صدّرت من كهربائها الفائضة عام 2018 إلى بلدان الجوار ما مقدارته 282 مليون كيلو واط ساعي، وبالمقابل فقد احتل المواطن السوري المرتبة 152، أي في ذيل قائمة الاستخدام اليومي للكهرباء، سواء منزلية أو تجارية على مستوى العالم بأسره، بمعدل 774 كيلو واط ساعة فقط، وهو أقل من دول الجوار على أقل تقدير.

قد يكون ترشيد المواطن السوري للاستخدام يعود إلى غلاء سعر فواتير الكهرباء، ونصل إلى نتيجة أن المواطن السوري أساساً من أكثر الأفراد ترشيداً في استخدامه الكهرباء في ساعات الذروة رغم تفعيله لكل الأجهزة الكهربائية لإنجاز أعماله، سواء المنزلية أو التجارية أو الصناعية في ساعات التغذية. ماذا يحدث إذاً؟ نملك فائضاً كهربائياً: إنتاج الكهرباء يقوم 65% منه على الطاقة الكهرمائية و35% منه على طاقة الفيول والغاز. العقوبات هي الحجة الأبرز هنا في نقصهما.. ولا يدري أحد لماذا لم تطل العقوبات استيراد محولات الكهرباء وغيرها من مستلزمات الصيانة للمحطات التي بدأت تتدهور بخدماتها المقدمة للناس كلما اقتربت الحرب العسكرية من الانتهاء. كيف كان ممكناً توفير الفيول طيلة السنوات الماضية؟ ألا يمكن توفيره بالطريقة نفسها لتأمين حاجة الناس الأساسية، إذ كانت شماعة العقوبات دوماً حاضرة؟!

يوجد فائض إنتاج ويتم تصديره، والقدرة على تقديم الإنتاج الكهربائي للجوار يدل على وجوده وتوفر وقوده. ويدل أيضاً على الأولويات التي تأسر اقتصادنا الحالي: التصدير إلى ما نحتاجه حقاً كسكان لنوفر قطعاً أجنبياً للبلاد ليستقر سعر الصرف، ونسجل بعض النجاحات الاقتصادية اللحظية.. يليه حاجة وصرخة السكان من النقص ليكون الحل باستيراد المادة نفسها بسعر أعلى، ويعود سعر الصرف للتراجع بسبب هدر أضعاف ما حصلنا عليه من قطع أجنبي، يرافق ذلك ارتفاعاً بالأسعار. والسؤال بناء على كل ما تقدم: إلى متى سيبقى المواطن السوري في ذيل قائمة الاهتمامات، رغم كل الكلام الذي يقال حول أن تحسين معيشة الشعب هي أولوية؟!

العدد 1104 - 24/4/2024