صناعةُ الفرح

ريم الحسين:

مُني السّوريون بخيبةٍ جسيمة بعد خروج منتخبهم الوطني من تصفيات كأس آسيا، بعد أداء هزيل في وجه فِرق ليست على مستوى عالٍ من التّصنيف الرّياضي. هذه الخيبة بعد أشهر من التّحضير والدّعم والإعلان، ترافقت بالتفاف جماهيريّ كبير حول منتخب بلادهم، هذا الالتفاف الّذي كان ذا منشأ عاطفيّ ووجدانيّ بالدّرجة الأولى بعد سنوات الحرب وما تركته في نفوسهم من ألم، وجدوا في نصر رياضيّ جديد يرافق النّصر العسكريّ فسحة من الأمل وعودة الحياة نوعاً ما إلى طبيعتها، وتخفيفاً من وطأة الحزن الذي عاشوه طيلة فترة الحرب.

المتابع لمجريات المباريات يرى بوضوح عدم التّناغم الواضح بين اللّاعبين، وقلّة التّركيز والتّجانس، على عكس الجمهور السّوري الّذي غزا المدرجات بطريقة راقية وحضاريّة، معها كلّ أنواع الدّعم حتّى بُحّت الحناجر وساد الصّمت والغصّة بعد كل مباراة، ويعود بهم الأمل أنّهم مع منتخبهم في الرّبح أو الخسارة. وسادت حالة من الاستنكار الشّعبي كان صداها أن اختيرت الحلقة الأضعف، وهي إقالة المدرب الألماني قبل المباراة الأخيرة واستبداله الّذي لم يغير كثيراً في الحال، رغم تحسّن الأداء نوعاً ما، إلا أن الخطوة جاءت متأخّرة.

انهالت الدّموع وخرج المنتخب من التصفيات، وبدأت بعدها تتسرب أسباب الخلافات الواضحة بين اللّاعبين والإدارة، وتوحّد الجمهور حول المطالبة باستقالة اتحاد كرة القدم والاتحاد الرياضيّ العام، وتجديد الدّماء فيهما، ذلك أن الشّرخ تجاوز موضوع المدرّب، وبدا واضحاً أنّه لم يكن حجر العثرة الوحيد.

ظهر المنتخب بمستوى أداء ضعيف وكأنّه لم يخضع لمعسكر تدريبيّ واحد، رغم كل الدّعم الّذي قُدّم له بحسب المسؤولين والإعلام الّذي كانت شرارته منذ التّصفيات الأخيرة العام الفائت ووصول المنتخب إلى النّهائيات، رغم أن السّواد الأكبر من الشّعب لم ينتبه بشكل جدّي للانتصارات إلا في المباريات الأخيرة، بسبب انشغاله بالحرب الدّائرة وقوت يومه. وكانت النّتيجة أن لمّ هذا المنتخب يومذاك آلام السّوريين وانتظروا على الأقل الأداء نفسه هذا العام أو أفضل، بسبب التّركيز الإعلامي على (نسور قاسيون) وجعلهم أملاً وهدفاً يعيد لهم قضاياهم الطّبيعية وحقّهم في الخروج من جوّ الحرب إلى واقع أفضل. لكن كعادة معظم مسؤولينا، يبدو أنه من الصعوبة بمكان أن يعترفوا لديهم بالفشل أو التّقصير، فلم يحدث يوماً أن قدّم مسؤول عن ملف ما استقالته، رغم كلّ الخراب الّذي حدث في فترة تولّيه. والأمر ينطبق أيضاً على من له القدرة على إقالتهم، فهؤلاء على ما يبدو لا يريدون أو لا يمتلكون الجرأة على اتخاذ قرارات كهذه والامتثال لرغبة شعب كامل بكى صغاره قبل كباره، وكأنّما سُرق منهم حلمهم الجميل.

تعلّموا صناعة الفرح للسّوريين، فالسوريون شعب حيّ، انتماؤهم راسخ، وهو يظهر في معظم المواقف الوطنية. خفّفوا عنهم ما يحدث، فمازالت ذاكرة الدّماء تصدح وآثار الحرب الشّديدة على ملامح معيشتهم تتّقد.

ما الضّير في محاولة جادة لاستئصال الفساد من مرافق الدولة، تبدأ بعد هذه الهزيمة بالاتحاد الرياضي العام؟ أم أن (الفرحة ليست سورية)؟ أليس من الضّروري وجود وزارة للرّياضة والشّباب؟ وزارة تخضع لمعايير وأسس موضوعيّة يكون ولاؤها لوطنها ثابتاً وإخلاصها كبيراً، هدفها أسمى من مجرد واسطات ومحسوبيات وتجارة، تُدخِل الفرح إلى تلك القلوب الحزينة ولو لمرة بعد كلّ النّكسات، همّها أن يرتفع العلم السّوري واسم البلد في كلّ المناسبات الرّياضية، فالرّياضة أن لم تكن ملهاة الشّعوب، فهي على الأقل نافذة للانتماء والفخر بأبناء البلد القادرين على صنع المستحيل بما أن (المستحيل ليس سوريّاً).

عاد الفريق جارّاً ذيول الخيبة والخذلان، بعد أن حصد على تعاطف ملايين السّوريين ونقطة واحدة، وعاد السّوريون إلى فقرهم وغلاء الأسعار الفاحش وطوابير الخبز ومشتقّات النّفط والمواصلات. المجد للشّهداء، حماة الدّيار عليكم سلام.

العدد 1104 - 24/4/2024