ماذا بقي لنا في الوطن.. رغيفنا كرامتنا؟!

سليمان أمين:

غرباء بتنا نتجرّع كأس الخيبة بعد آلام سنوات عشنا فيها كل أشكال الظلم والإهمال المعيشي والإنساني والإرهاق النفسي والجسدي، في صراعنا من أجل الحصول على تأشيرة مرور ليوم أخر وشهر تتلوه أشهر وسنوات. لم يتغير شيء للأفضل، بل ذبلت أزهار الحواري، وشحبت ألون مدننا الزاهية بالفرح والحب، غادر جيراننا الحي وهاجر أحبابنا تاركين رسائل اللاعودة بين أمواج البحر، سنوات مرت لم يلمس التغيير والإصلاح حكومتنا، لم تتبدل حروف الخطاب ولا كلمات التصريح، ولم يكن للوعود لحن جميل ينعش القلب ويفرح الروح، فلم يكن للوعود سوى تقاسيم عود يعتريها النشاز.

النشاز تغريد خارج السرب، السقوط خارج واقع المقطوعة دون تصحيح المسار لتتناغم كل الطبقات وترتقي بالعدل جمالاً، فأين هذا التصحيح في مسار الحكومة اليوم والأمس؟؟ سنوات مرت لم نرَ سوى قرارات وتصريحات ووعود خرساء يشوبها النشاز القاتل لروح القوانين والأساسيات التي تقوم عليها المؤسسات الحكومية. مخطئ من يقول: لا قوانين لدينا! وإن قوانيننا لا تواكب التطوير الحاصل في الدول المتقدمة، بل إن لدينا قوانين حديثة ومتقدمة، ولكن منهجية استخدامها بدائية، وتطبيقها إن حصل يحصل بطرق المنفعة الشخصية لا أكثر، حتى بتنا لا نرى شكلاً واضحاً للمؤسسات اليوم ولا لخدماتها المجتمعية، فبعضها لم يبقَ منه سوى الاسم، بعد أن غاب الفعل، كمؤسسات الزراعة والصحة والصناعة التي تعتبر الأساس في قوة البلد وتطوره، حتى بات الناس يقولون عنها إنها استشهدت في الحرب (الله يرحمها!). سنوات انقضت ولم نرَ ولم نسمع شيئاً عن خطط وزارة الزراعة التنموية، ولا عن مشاريع وزارة الصناعة ودعمها للصناعيين ومطالبتها بمنع إدخال الصناعات التركية وغيرها التي تملأ الأسواق، فيكفي أن نرى أشخاصاً يمتهنون الطب بشهادات غير نظامية ومزورة، ومنشآت تنتج أدوية طبية طبيعية ومراكز طب بديل دون رقابة.

 

رغيف بائس يدخل حيز الدرس والمدروس

يكفينا اليوم التغزل برغيف الخبز المدعوم المليء بالشوائب، ذي الشكل الغريب الذي لا يشبه رغيفنا الذي اعتدنا عليه لسنوات، حتى رغيفنا في حضارات ما قبل الميلاد متبرئ من خبز اليوم الذي ترفض حتى الحيوانات أكله، ويخرج علينا وزير التجارة الداخلية بتصريحه الناري الذي تحول إلى حديث الساعة واليوم في وسائل التواصل الاجتماعي، ودخل الرغيف سباق الفرق كيف كنت قبل 9 سنوات وكيف حالي اليوم على الفيس بوك؟! لعل وزيرنا الرائع قد انتهى من معالجة الشهادات المزورة ورفع تقريره بأسماء المسؤولين والأطباء والمدراء والمحامين …الخ، ممن يحملون شهادات مزورة ولا تنطبق عليهم قوانين وزارة التعليم العالي، ليتفرغ اليوم لوضع دراسات لرفع سعر الخبز ورفع الدعم عنه، فهل سأل نفسه كم عدد الفقراء في البلد الذين يقتاتون على رغيف الخبز فقط، وهم لا حول ولا قوة، وماذا سينفع الموظفين رفع رواتبهم الذي سيقابله رفع ربطة الخبز؟  وماذا عن هؤلاء الفقراء الذين يشكلون 87% اليوم؟ لعل الموضوع متشابه مع البطاقة الذكية التي بات لقبها البطاقة التعجيزية، لما يعانيه المواطنين من صعوبات في الحصول عليها، فالمهم يا سيادة الوزير المحترم أن يقوم مسؤولو وزارتك بوضع خطط علاجية وإسعافية لوضع الرغيف ومتابعة الأفران التي تبيع خبزها الجيد بأسعار مرتفعة، وبيع الخبز السيئ والرديء الصنع للمواطن العادي، لن أقول إن اللاذقية وحدها تعاني من المشكلة فكل المحافظات تعاني، والتقصير واضح وجليّ، وما الصور التي انتشرت عبر السوشيال ميديا سوى نموذج بسيط لوضع الرغيف اليوم، فكما نعلم، الحكومات لا تتراجع، بل تتقدم مع تقدم السنين بصناعة رغيفها وتحافظ عليه، لأنه يعتبر الأساس في قوت الشعب، ونحن لسنا ضد الدراسات الواضحة المعالم برفع سعر الخبز وبتصنيفه لأنواع، على أن تقوم هذه الدراسات على الجغرافية السكانية وتشمل كل الفئات والطبقات عندما يكون الوضع المعيشي جيداً والبلد بحال سليمة ومعافاة، ولا تتماشى مع مرحلة الفقر المدقع الذي يعيشها البلد، وكأن حضرات مسؤولينا لم يعلموا بعد بالحرب الذي عشناها ولا بالتراجع المجتمعي والفقر الحاصل، فمن المعلوم للجميع أن الرغيف خط أحمر أحمر في قوانيننا، فكيف في هذا الوضع؟!

 

منتجات زراعية أردنية تغزو الأسواق

كما عودتنا حكومتنا الموقرة لسنوات، هكذا بدأ أحد المزارعين حديثه شاكياً سوء الحال الذي وصل إليه المزارع السوري اليوم، بسبب الإهمال الذي يتعرض له والإجحاف الكبير بحق منتجاته، فلم تعد الحمضيات وحدها اليوم تشكو سوء حظها ، بل باتت الزراعات المحمية تقاسمها الشكوى، فقد باتت البندورة السورية وباقي الخضروات مثل الباذنجان والفاصولياء والخيار …الخ، تعاني الخسارة الكبيرة بسبب منافسة الخضروات الأردنية لها التي تغزو اليوم أسواقنا دون أي تصريح للحكومة بإدخالها إلى السوق السورية، وهنا نتساءل: هل بات الفلاح الأردني يلقى اهتمام حكومتنا أكثر من فلاحنا السوري الذي قدم أولاده وأحفاده وأغلى ما يملك من أجل بقاء بلده؟ هل هذه مكافأة من قدم للبلد اليوم أن يحارب بلقمة عيشه؟ ولم تكن قصة الخضروات الوحيدة بل شهدت السنوات الماضية أيضاً منافسة الموز اللبناني للحمضيات السورية، وكذلك البطاطا المصرية واللبنانية. متى تصحو وزارة الزراعة وتتضامن مع الفلاح وتشجعه على العودة بقوة لزراعته؟ إذ لم يعد لديها اليوم أي حجج حول الموارد المائية، فسدودنا مليئة بالمياه وموسم المطر أكثر من ممتاز. متى تقف حكومتنا مع المواطن وتمنحه الحق ببيع مزروعاته وإنتاجه دون إدخال منافسين من بلدان أخرى، إذ تبلغ تكلفة الزراعة المحمية مبالغ كبيرة جداً ، فيتراوح سعر ظرف بذار البندورة بين 40 ألف و 100 ألف ليرة سورية، ولفة النايلون 185 ألف ليرة سورية وكيس السماد 12 ألف ليرة، هذا غير التكاليف الأخرى كالمبيدات الزراعية والسماد العضوي …الخ ، مما يعني أن الزراعة المحمية خاسرة، ولكن استمرارية الفلاح حتى اليوم رغم كل خسارته هي إنجاز وطني، فليس المطلوب سوى عودة وزارة الزراعة للحياة من جديد ودعمها للفلاح وللزراعة السورية.

ليس المطلوب من حكومتنا أن تصنع المستحيل ، المطلوب أن تدرك أن بلدنا ليس بالوضع الذي كان قبل الحرب، وأن تضع حلولاً وخططاً وفق ذلك، وكفى ولم يعد مقبولاً أن تجعل الأزمة والحرب شماعة لكل الأخطاء والتصريحات!

بلدنا قوي إذا استثمر بالطرق الصحيحة وبتفعيل القوانين، لا برمي الكلام من فوق الأساطيح ولا بالخطابات البراقة. ما نحتاجه اليوم هو العمل وفق قوانين وخطط تنموية لا أكثر، ويكفينا ما قضيناه من غربة داخل الوطن، فالجميع اليوم يسأل: ماذا بقي لنا في الوطن؟ ما بقي لنا هو كرامتنا وأرضنا الذي تنبت الحب والخيرات، بالعمل لا بالأمل والكلام المسطر تحت قبة البرلمان وفي أروقة الحكومة؟!

العدد 1104 - 24/4/2024