أردوغان.. وأوهام إعادة الماضي العثماني!

د. صياح عزام:

من المؤسف أن البعض، وهم قلائل، كانوا لا يصدقون أن لتركيا، وخاصة في ظل حكم أردوغان، أجندة خاصة في الشمال السوري، هذه الأجندة كانت واضحة منذ بدء الحرب الإرهابية على سورية، وتجسدت في أطماع باقتطاع جزء من هذا الشمال وضمه إلى تركيا، وكأن لواء اسكندرون الذي ضمته إليها بالتنسيق مع فرنسا لا يكفيها، بل تريد المزيد. وتبيّن أن أردوغان يريد اقتلاع الأكراد، لا لأنهم، كما يصفهم دائماً، إرهابيون، بل لتحقيق الأطماع التركية التي أشرنا إليها في الشمال السوري وحتى في العراق، وما يؤكد ذلك أن تركيا دعمت البرزاني واستقبلت مسؤولين أكراداً سوريين من ذوي التوجهات الانفصالية، وبالتالي فإن ما يردده أردوغان من أنه يريد القضاء على الأكراد هو لتحقيق أطماعه التوسعية.

وهناك أدلة دامغة تشير إلى هذه الأطماع منها على سبيل المثال:

* أولاً- بعد العملية التي أطلق عليها(درع الفرات) واحتلال مثلث جرابلس -أعزاز – الباب، ومن بعدها عملية عفرين، وحتى احتلال إدلب تحت تسميات نقاط مراقبة وتفتيش، بعد هذا كله، عملت السلطات التركية وماتزال على قدم وساق على تغيير البنية الديمغرافية، وذلك بطرد الأكراد وإحلال فئات تركمانية وأخرى موالية لها محلهم، وغيرت النظام التعليمي والمالي والإداري والديني فيها كلها، وأقامت بنية عسكرية وأمنية منظمة ومدربة على يد الجيش التركي والمخابرات التركية.. ألا يعكس كل هذا أطماع أردوغان في الشمال السوري، وأن هذه الأطماع تأخذ طريقها إلى التنفيذ لإلحاق هذه المناطق بشكل وبآخر بالإدارة التركية، ووضعها في أسوأ الأحوال تحت النفوذ التركي؟!

* ثانياً- ومن هذه الأدلة بعض التصريحات والمواقف التي صدرت منذ عام 2016 على لسان أردوغان وكبار مسؤوليه، والتي اعتبرت أن هذه المناطق كانت جزءاً من الخريطة التي وضعها البرلمان التركي في 28 كانون الثاني عام 1920 لحدود تركيا الجديدة بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وعُرفت باسم (الميثاق الملّي) وضمت الخريطة كل شمال سورية والعراق لتكون ضمن الحدود الجديدة، لكن الاتفاقيات اللاحقة لم تتح لتركيا تطبيق خريطتها المذكورة، وانتهى الأمر لتكون حدودها كما هي عليه اليوم.

* ثالثاً- إن العقل السياسي التركي كأنه لم يستطع أن يهضم الوقائع الجديدة، فقد بقيت مسألة ما عرف بحدود (الميثاق الملّي) غصة في حلق النخب التركية المتتالية، وعلى رأسهم أردوغان الذي عمل وما يزال منذ بدء الحرب الإرهابية على سورية باتجاه إمكانية العودة إلى الحدود المذكورة، أي حدود الميثاق الملي، ورأى في الإعلان الأمريكي عن سحب القوات الأمريكية من سورية فرصة مؤاتية لتحقيق حلمه.

* رابعاً: أيضاً في هذا السياق جاء قول وزير الداخلية التركي الحالي سليمان صويلو منذ نحو أسبوع، إذ قال حرفياً: (إن 62% من اللاجئين السوريين في تركيا جاؤوا من أراضي حدود (الميثاق الملي)، وفي معركة تشاناق قلعة أثناء الحرب العالمية الأولى سقط 1102 شهيداً من سورية، ومنذ عام 2011 قدمت تلك الأراضي 71923 شهيداً من أجل بلادهم، ولا يمكن بعد هذا أن نقول: ما الذي يفعلونه في تركيا)! (انتهى قول الوزير التركي).

لا شك بأن هذا القول خطير جداً، ويشكل دليلاً قاطعاً على أن الأطماع التركية بالأراضي السورية لم تغادر لحظة واحدة العقل التركي الذي كان على الدوام ينتظر الفرصة المؤاتية لتحقيقها.

إن العقل التركي المسكون بداء العظمة، والذي يقوم بمثل هذه الحسابات التي تتعلق بإحصاء نسبة من نزحوا إلى تركيا من الأراضي السورية التي كانت حسب المزاعم التركية الكاذبة ضمن حدود (الميثاق الملي) ونسبة من قتلوا من أبناء هذه الأراضي حصراً دون غيرهم من بقية الأراضي السورية، هذا العقل الذي يتطرق إلى مثل هذه الحسابات المغلوطة والمشبوهة أقل ما يوصف به بأنه (عقل شيطاني) يتوجب اقتلاعه من جذوره، لأنه يبتدع أموراً وأوهاماً وذرائع غير مسبوقة، ولا أساس لها من الصحة أصلاً.

 

الخلاصة

كما رأينا من خلال ما تقدم أن النفاق التركي لا حدود له، بدءاً من نظرة أردوغان ومسؤوليه إلى الإرهاب بعين واحدة، ومحاولات العودة إلى الماضي، ونبش التاريخ، والادعاءات بأن تركيا تنازلت عن ما أسمي (ميثاق ملي)، أي الميثاق الوطني في اتفاقية لوزان الثانية التي فُرضت على تركيا بالقوة، كل هذا يشير إلى أن أردوغان كأنه يحاول ضم ثلث الأراضي السورية لنظامه، إضافة إلى أطماعه في الموصل وكركوك وغيرهما.

العدد 1104 - 24/4/2024