هل تذكرون الشاعر موسى جليل؟

كلمات في الذكرى الرابعة والسبعين لإعدامه

غياث رمزي الجرف: 

موسى جليل (1906_ 1944) شاعر وكاتب/ مقاوم تتري سوفييتي، وفي وقت قصير صار واحداً من أكبر الشعراء والكتّاب في الأدب التتري، والأكثر قرباً وتفضيلاً لدى الشعب التتري.

حين اجتاحت الجيوش النازية الاتحاد السوفييتي عام /1941/ تطوع موسى جليل في الجيش الأحمر، وعمل مراسلاً حربياً، وكتب الكثير من القصائد الوطنية التي اتسمت بالتفاؤل الثوري والإيمان الأكيد بالنصر النهائي على النازية…

في عام (1943)، والحرب الوطنية العظمى في أوجها، أَسَرَ النازيون (موسى جليل) بعد أن أُصيب بجراح عديدة، ووضع في معسكر للاعتقال، وخلال اعتقاله شارك (جليل) مشاركة فعّالة في نشاطات المقاومة السرية… وحين كشف النازيون ذلك، قاموا بنقله إلى سجن عسكري وحكمَ عليه بالإعدام مع العديد من رفاقه التتر، ونفذ حكم الإعدام بالمقصلة عام /1944/، ودفن في مقبرة جماعية.

في فترة زمانية لاحقة، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، منحت الحكومة السوفييتية (موسى جليل)، في وقت واحد، أعلى وسامين: بطل الاتحاد السوفييتي عن الشجاعة والتفاني في خدمة الوطن، وجائزة لينين، وأقامت له نصباً تذكارياً في بطرسبورغ.

تَخَرَّجَ موسى جليل في كلية الآداب (جامعة موسكو) عام (1931)، وترأَّسَ تحرير العديد من الصحف الأدبية، ثم ترأس قسم الأدب في الصحيفة الشيوعية التترية المركزية. وفي عام (1939) ترأَّسَ (جليل) اتحاد الكتّاب التتري التابع لاتحاد الكتّاب السوفييت حتى عام (1940).

نشر في عام (1934) مجموعتين شعريتين، وقد تميّز أسلوبه الأدبي بالغنائية المفعمة بالروح التفاؤلية.

من قصيدة عنوانها: (يحدث أحياناً) يقول الشاعر موسى جليل:

تــكـون روحُ الإنـسـانِ صـلـبـةً أحـيـانــاً

يـعـجـزُ أيّ شــيء عــن الـنـفـاذ إلــيـهــا،

فـلـتـكـن ريـحُ الـمـوتِ أبـردَ مـن الـجـليد،

فــهــي لـــم ولـــن تُــذبِــل رقــة الـــوردة

***

فـلـتـكـن دقـائـق حـيـاتـي البـاقـية مـعـدودة

ودع الجزَّار الفاشـي ينتظرني ويحفر القبر

إنّني جاهز لكلّ شيء، ولكنّي ما زلتُ أحلم

بـــورقــةٍ بــيـضــاء، ومــحـبـرةٍ ســــوداء…

(انظر: الحياة والنظير الأدبي، لـ عدد من المؤلفين، ترجمة: عادل العامل)

ومن آخر قصيدة كتبها الشاعر موسى جليل تحت عنوان (تمنيات العام الجديد) التي أهداها لصديقه في الأسر الوطني البلجيكي (أنديه تيمير مانز) الذي كان معادياً للنازية والفاشية، وألقي القبض عليه عام (1942) فالتقى الشاعر موسى جليل، وشاطره زنزانته في سجن (موبيت) لأشهر عديدة

لنقرأ الأسطر الشعرية التالية:

لـــــعـــــلَّ هـــــذا الــــعــــام الــــجــــديــــد..

يـــحــرِّرُ أيــديــنــا مــن أغـــلال الـــحديـــد..

ويمنحنا الحريةَ الحلوةَ التي طال شوقُنا إليها..

لـعـلَّ هـذا الـعـامَ الـجديد يـدفـئـنـا ويُـشـفـيـنـا

مـــن ســــعــال الــســـجـــن، ويـــأتـي لــنــا

بـــجَـــمْــع الــشَــمـلِ الــــعـارمِ الـــــبـهـجــة

فــــــي ســـــاعـــةِ الــــنـصــر الــــمـجــيــدة

لـعـلَّ هـنـاكّ سـتـكــونُ قـبــلاتٌ وعـنـاقـــات..

لــــعــــلَّ دمـــــوعَ الـــســـعـــادة تـــتــدفّـــقُ

ولـعلـه سـيرحِّبُ بنا بفطـائرهِ الحـلوة الـلـذيذة

بـــيــتُــنــا ومـــوقـــدُه فــــي مــــوطــنـــنـــا…

هكذا، على وجه الإجمال، جاءت أعمال موسى جليل الأدبية تصويراً فنياً لما عاشه الشاعر شخصياً، أو لما عايشه من أحداث عصره بنفسه. وكثيراً ما يختلط الأمران معاً وتتشابك الأحداث الشخصية بالعامة، ولكن، كما يقول عادل العامل في مقدمته، ليس بالضرورة أن يجيء العمل الأدبي مطابقاً لأحداث الواقع ليكون النظير الأدبي للحياة، بل بالعكس سيكون مجرد عكس مرآتي، عملية تسجيل أو توثيق، أو في أحسن الأحوال تاريخ أو مذكرات… فرسالة الأديب/ الكاتب مرتبطة عضوياً بتكوينه المتعدد الجوانب، بيولوجياً، سايكلوجياً، سوسيولوجياً، طبقياً وإيديولوجياً.. ولا يمكن أن ننظر إليه كمصوِّر بيده آلة تصوير يلتقط لنا ما نحب، أو ما لا نحب من تجليات الواقع…

giathaljrf30@gmail.com

العدد 1104 - 24/4/2024