من القلب إلى القلب.. أنا ضد “عيد الصحفيين”.. لا تزعلوا مني!

عماد نداف:

  جئت إلى ساحة الأمويين عند الفجر!

كثيرون لا يصدقون أنني أطرق باب الإذاعة والتلفزيون كل يوم عند الساعة الخامسة فجراً، منذ نحو أربعين عاماً، وكثيرون لا يعرفون أن مهنة الصحافة ممتعة إلى الدرجة التي لا يهتم الصحفي فيها بعدد ساعات العمل وبتوقيتها، وكثيرون لا ينتبهون إلى أن هذه المهنة، التي يسمونها مهنة البحث عن المتاعب، كانت حلماً لزعماء كبار، فكيف لنا نحن الذين لم نكن لحظة واحدة في موقع الحلم بالزعامة!

لم أكن أعرف أن ذلك اليوم، الذي انقشع فجره، هو (عيد الصحفيين)، ألصق الشباب الطيبون في اتحاد الصحفيين دعوة عامة لحفل استقبال، وكأنه دعوة لنبتهج ب(العيد)، وسريعاً فكرت بمعنى السعادة التي ستحصل فيما لو أن صحفياً ما لبّى الدعوة…

تذكرت معنى (العيد)، ففي أعيادنا (الجلاء والفطر والأضحى والميلاد ورأس السنة) نبحث عن السعادة ليتطابق الشعور ب(العيد) مع معناه، وفي ذلك الفجر سألت نفسي فلم أجد شيئاً يدعو للسعادة في حياة الصحفيين ليحتفلوا بعيدهم(!!)

هل أنا على حق؟! لا تزعلوا مني، هه! فهذا الشعور ينتاب الجميع بغض النظر عمّا إذا كانوا في مواقع مسؤولة، أو يتراكضون في أروقة المؤسسات الإعلامية، أو مؤسسات الدولة الأخرى، بحثاً عن لقمتهم، فيمدحون هذا، وينمّون على ذاك بعد أن ظنوا أن من أولويات النجاح في مهنة الصحافة هو الدأب على ذلك الفعل!

ماذا لو عرفتم أن هناك صحفيين يراجعون المحاكم من أجل تحقيقات كتبوها لصحيفتهم عن فساد مؤسسات ومديرين منذ سنوات طويلة؟ ماذا لو عرفتم أن الصحفي لم يعد يخيف أي مسؤول فاسد في الدولة، لأن ذاك المسؤول يمكن أن يقطع عيشه، أو ربما يضع له ظرفاً محشواً بعدة آلاف من الليرات على الطاولة ليجرح روح الصحافة في نفسه، خاصة أن هناك من يضطرون لحمل مثل هذا الظرف ويحمدون الله على هذه النعمة، ويتابعون حياتهم أذلاء مكسوري الخاطر.

ما هو الشيء الذي يجعلنا سعداء في عيد الصحافة؟!

هل هي الشهرة التي جنيناها في توليد قراء يثقون بنا وبصحافتنا؟! لم يحصل ذلك..

هل هي جرأتنا التي دفعت الحكومات للاستقالة نتيجة تحقيقات استقصائية كشفت عيوب مسؤولين فيها، أو نبشت وثائق أضرت بالاقتصاد الوطني؟! لم يحصل ذلك..

هل هي الملفات التي فتحناها لتتحول إلى قضايا رأي عام؟! لم يحصل ذلك..

هل هي التغطيات الإخبارية القاصرة والمقتضبة والتي دفعت أهلنا تلقائياً إلى البحث عن حقيقة أخبارنا من (قنوات سفك الدم)؟!

ما هو الشيء الذي يجعلنا سعداء في عيد الصحافة؟!

ربما يكون العز الذي نحن فيه.. هل تصدقون؟!

أتحدث ساخراً عن العز، إذا عرفتم أن كل ما يتقاضاه الصحفي شهرياً في أوج نشاطه وشبابه لا يكفي أجرة بيت صغير في حي من أحياء المخالفات في أحزمة البؤس؟ وأن تقاعد الصحفي من اتحاد الصحفيين في سورية يعادل ثمن كيلو ونصف من لحم العجل، وأن تقاعده الوظيفي كاملاً بعد كل حياته الوظيفية لا يكفي فواتير الماء والكهرباء وهواتف الخليوي والأرضي في البيت؟!

ثم ماذا لو عرفتم أن أكبر أجر على مادة صحفية تنشر في سورية لا يعادل ثمن وجبة في مطعم درجة عاشرة في الربوة حيث يتدفق نهر بردى مخلوطاً مع مياه الصرف الصحي؟!

ماذا لو عرفتم أيضاً أن الشعب السوري لم يحفظ اسم صحفي واحد، حتى أولئك الذين يظهرون على الشاشات، والذين، بصعوبة، يُشَبّه المواطن عليهم ويسأل: أين شاهدت هذا الرجل من قبل؟!

إذاً، كيف يعيش الصحفي؟ ولماذا هو في هذه الحال؟!

هذا ما شعرت فيه ذلك الصباح عندما قرأت الدعوة للابتهاج ب (عيد الصحفيين)..

لا تزعلوا منّي، هه!

العدد 1104 - 24/4/2024